[أحكام الأضحية المعينة إن تعيبت]
قال رحمه الله: [وإن تعيبت ذبحها وأجزأته].
أي: إن تعيبت الناقة أو البقرة أو الشاة التي عينها أضحية أو هدياً، صح وجاز له أن يضحي بها.
قال: [إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين].
فلو قال: لله عليَّ أن أضحي هذه السنة بشاة، فاشترى شاة، وقال: هذه أضحية -أي: عن النذر- فتعيبت، فحينئذٍ كونه يعينها للأضحية لا يسقط لزوم ذمته؛ لأن هذه الشاة التي يريد أن يضحي بها أو يريد أن يبرئ ذمته قد تعينت، فإنه ينصرف إلى غيرها؛ لأن ذمته مشغولة بالحق، أما لو اشتراها وقصدها وعينها بإذن الشرع وبإيجابه، فإنه في هذه الحالة إن عينها فلا إشكال أنها لو تعيبت لا يلزمه بديل عنها، أما لو كانت واجبة عليه من قبل، فإن عينها أو لم يعينها فذلك لا يؤثر في الأصل؛ لأن ذمته لا تبرأ إلا بكاملها، فليست مثل الأضحية التي كانت ذمته بريئة منها قبل التعيين، وحينئذٍ يقولون: يفرق بين كونها معينة فيما لا نذر ولا إلزام فيه، وبين كونها معينة بالنذر والإلزام.
لكن بالنسبة لمسألة الضمان؛ فإن اليد في الشرع تنقسم إلى قسمين: فهناك يد تسمى في الشرع: يد الأمانة، وهناك يد تسمى: يد الضمان.
فإذا أخذت شيئاً وهو للغير؛ فإما أن تكون يدك يد أمانة، فلا تلزم بضمان ذلك الشيء إن تلف، وإما أن تكون يدك يد ضمان فتلزم بكل حال، مثال ذلك: إذا قلت لشخص: أريد منك مائة ألف ديناً إلى نهاية السنة، فإذا قبضتها فيدك يد ضمان، بمعنى: أن هذه المائة ألف إن تلفت أو ربحت فأنت المسئول عنها، فلو أخذت المائة ألف ثم خرجت من عنده فسرقت، أو سقطت في نهر وغرقت المائة ألف وذهبت، فلا يضمن هو بل أنت الذي تضمن، ولو أنك اشتريت بها عمارة، ثم أصبحت قيمتها مليوناً، فأنت الذي تأخذ المليون، فكما أنك تربح فإنك كذلك تضمن الخسارة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (الخراج بالضمان)، ويقول العلماء في هذه القاعدة المعروفة: الغنم بالغرم.
أي: أنه يأخذ الربح والنتاج من الشيء من يضمنه، وهذا من عدل الله سبحانه وتعالى، فإن الذي يتحمل مسئولية الشيء هو الذي ينبغي أن يأخذ مصلحته وثمرته ومنفعته، فصاحب البستان يبيع الثمرة بمائة ألف وبمائتي ألف، ولو احترق البستان لضمن هذا المال، فكما أنه يتحمل الخسارة يأخذ الربح.
إذاً: هذا النوع من اليد يسمى يد الضمان، وسواء وقع التلف والضرر بيدك وبما هو في وسعك، أو وقع خارجاً عن إرادتك بالأقدار، ففي الجميع تضمن.
النوع الثاني يسمى: يد الأمانة، أي: أن تأخذ الشيء ولا تلزم بضمانه إلا إذا فرّطت فيه أو قصرت، مثاله: جاءك رجل وقال: خذ هذه السيارة وضعها أمانة عندك، فوضعتها في مكان وحفظتها، ثم شاء الله أن تنزل عليها صاعقة تحرقها، أو تعطلت مكينتها دون أن يحركها أحد، فأنت هنا لا تضمن شيئاً؛ لأن يدك يد أمانة ويد حفظ، فلا تضمن إلا إذا قصّرت، أما لو أخذت هذه السيارة وقال لك: ضعها عندك، فأخذتها وقضيت بها حوائجك، فأي تلف يقع في السيارة فإنك تضمنه، ولو كان بآفة سماوية؛ لأن اليد أصبحت يد أمانة عندما قصر؛ ولذا ألزم بعاقبة التقصير.
فهناك يدان: يد الأمانة، وهي لا تضمن، كما هو الحال في الودائع، كما لو جاءك شخص وقال لك: ضع هذه الشنطة وديعة عندك، فأخذتها ووضعتها في الخزانة، وعملت كل الأسباب لحفظها، ثم جاء سارق وسرقها بطريقة ذكية، فإنك لا تضمن؛ لأن يدك يد أمانة، وأما لو أخذت هذه الشنطة وفتحتها؛ ضمنت، بل قالوا: لو حل الرباط الذي على الكيس في الودائع فإنه يضمن؛ لأن يده خرجت عن الأمانة والحفظ وأصبحت يد ضمان.
فالفرق بين يد الضمانة ويد الأمانة: أن يد الأمانة لا تضمن إلا إذا فرطت، ويد الضمان تضمن بكل حال، ولما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة واستعار من صفوان رضي الله عنه وأرضاه أدرعه وما يريده عليه الصلاة والسلام لجهاده، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (عارية مضمونة)؛ لأنه سيستخدمها عليه الصلاة والسلام في الجهاد، فدل هذا على أن يد الأمانة لا تضمن إلا إذا فرطت.
فهذه الشاة الأضحية قد أخرجها الشرع عن ملكه، وأصبحت كأنها منذورة لله عز وجل وتعينت، فلا يضمن إن تعيبت؛ لكن لو أنه فرط فيها فعرّضها للخطر حتى كسرت يدها، أو أصابها مرض، أو حصل بها ضرر؛ فأصبحت عرجاء بيّناً عرجها، أو مريضة بيّناً مرضها، أو أصبح فيها شيء من العيوب الأربعة التي ذكرها عليه الصلاة والسلام في الحديث المشهور -فإذا وقع بها واحد من العيوب المؤثرة فإنه يضمن؛ لأنه تعاطى أسباب الإضرار.
فقوله عليه رحمة الله: (وإن تعيبت ذبحها وأجزأه) شرطه: أن لا يكون مقصراً، وأن لا يتعاطى أسباب الإضرار، فإن فعل ذلك فإنه يلزم وتكون مضمونة.