حكم من اشترى أرضاً تبين غصبها بعد الشراء
قال رحمه الله: [ولو قلع غرس المشتري أو بناؤه لاستحقاق الأرض رجع على بائعها بالغرامة].
هذه مسألة تعم بها البلوى، وهي: أن يشتري شخص من آخر أرضاً زراعية، وتبقى هذه الأرض مدة من الزمان، ويتبين أن الأرض ليست ملكاً للبائع، وأنها ملكٌ لشخص آخر.
فالأرض أخذها ميتة فأصبحت حية بالزرع، وأخذها بواراً فبنى واستحدث فيها، فحينئذ الأرض ليست ملكاً للبائع، وإذا لم تثبت يد البائع فمعناه: أن المشتري لا تثبت يده، فتنتقل الأرض للمالك الحقيقي، فقال المالك الحقيقي: أريد أرضي، فسنقلع غرس المشتري، وسنهدم أبنيته التي بناها.
ف
السؤال
من الذي يتحمل مسئولية الضرر المترتب على هذا الخطأ؟ طبعاً المسألة لها صور: تارة يكون البائع الأول غاصباً للأرض ويبيعها لشخص ثم يتبين أنه غاصب، فيطالب صاحب الحق ويُثْبِت له القضاءُ الحق فلا إشكال، وقد تقدمت مسألة بناء الغاصب خاصة إذا اشترى منه الشخص وهو يعلم أنه غاصب.
لكن إذا كان الشخص لا يعلم، وجاء إلى أرض وأحياها، وبعدما أحياها وزرعها باعها على شخص استخرج لها صكاً، وباعها على شخص -مثلاً- بمائة ألف، فأخذها الشخص الثاني فأحدث فيها بناء أو غرساً جديداً، حتى أصبحت مثلاً بخمسمائة ألف، ثم تبين أن للأرض صكاً أقدم من هذا الصك الذي بيعت الأرض به.
فالسؤال: من الذي يتحمل مسئولية الضرر الذي سيقع على هذا الاستحقاق؟
الجواب
يطالب المشتري بقلع غرسه، ويطالب بهدم بنيانه وإعادة الأرض كما كانت، ثم نقول له: تأخذ قيمة ما دفعت -الذي هو قيمة الأرض- وتطالب الذي باعك بدفع قيمة الكلفة التي تحملتها في نقل الغرس وكذلك هدم البناء.
فيكون المتحمل للمسئولية البائع الأول؛ لأن البائع الأول كما أن له ربح الأرض كذلك عليه غرمها وخسارتها، والمشتري اشترى على أن يده يد مالكة، وإذا تبين بأن يده ليست بيد مالكة، فحينئذ يضمن هذا التفريط في معرفة حقوق الناس، ويضمن هذا التفريط في الاعتداء على أموال الناس إن كان معتدياً، هذا بالنسبة إذا كان البيع من بائع واحد إلى مشترٍ واحد.
لكن لو فرض أن خمسة أشخاص تناقلوا هذه الأرض، فالأول باع بمائة ألف، ثم اشترى شخص ثانٍ بعده ثم ثالث ثم رابع ثم خامس، فالخامس إذا طُولِب بهدم بنائه وقلع غرسه، ننظر في الضرر الذي ترتب على هذا القلع وعلى هذا الهدم وعلى هذا القلع، لو كان يساوي مائتي ألف، نقول له: ارجع بها على من باعك وهو البائع الرابع.
فالبائع الرابع يدفع المبلغ للمشتري منه، ويرجع الرابع إلى البائع الثالث، ويقول له: تدفع لي المبلغ الذي دفعته لفلان، ثم يقيم الثالث دعوى على الثاني، والثاني يقيم دعوى على الأول حتى تصل للأساس الذي غرر بالجميع، فكل منهم يطالب من غره، ولا ينتقل المشتري الأخير إلى البائع الأول مباشرة.
لا؛ لأنه ليس بينه وبين البائع الأول أي استحقاق، إنما الاستحقاق الذي وقع والبيع والمسئولية تترتب على البائع الذي ابتاع منه واشترى منه، وحينئذ يقول: اضمن لي حقي في تلف هذه الأعيان التي تلفت بالهدم أو النقص الذي حصل بنقل الغرس، فلو أنه نقل الغرس ومات -لأن الغرس إذا نقل شيء منه يموت وشيء منه يحيا- فيكون الضمان على الصورة التالية: أولاً: يتحمل مسئولية القلع للغرس، فلو كلفه القلع عشرة آلاف ريال يلزمه دفعها وتحسب، ثم لو فرضنا أن أعيان المغروسات نقصت بمقدار عشرة آلاف، بعضها مات بسبب النقل وبعضها تلف، وبعضها ضعف حاله، وتردى إنتاجه، فكل هذه الأضرار يتحملها البائع الأخير للمشتري الأخير، ثم يطالب الأخير من باعه بضمان هذه الحقوق حتى يتوصل إلى البائع الأول.