لكن لو قال لها: إن ولدتِ ذكراً فأنتِ طالق طلقة وإن ولدتِ أنثى فأنتِ طالق طلقتين وولدت توأمين، ففي الصورة الأولى إذا قال لها: أنتِ طالق طلقة إن ولدت ذكراً، ننظر في التوأم، فلا نوقع الطلاق إلا إذا كان ذكراً، فلو كان التوأم صبيتين فلا طلاق؛ لأنه جعل الطلاق مرتباً على الذكر، وبينه وبين الله أن امرأته طالق إن ولدت الذكر ولم تلد ذكراً، وأما إذا علقه على الجنسين فقال: أنتِ طالق طلقة إن ولدتِ ذكراً وطلقتين إن ولدتِ أنثى فأخرجت توأمين، إما أن تخرجهما ذكوراً أو تخرجهما أناثاً أو تخرجهما ذكراً وأنثى، فإذا كانت أخرجته ذكراً وقال لها: أنتِ طالق طلقة إن ولدتِ ذكراً وطلقتين إن ولدتِ أنثى نحكم بالطلقة الأولى بخروج الذكر الأول، وبمجرد خروجه يقع الطلاق، فتبقى المرأة معتدة بعد خروجه، فإن خرج المولود الثاني وهو الذكر الثاني أخرجها من عدتها ووقع الطلاق الثاني على امرأة خلو من نكاح؛ لأنها أجنبية عنه، فإنها بمجرد إخراج المولود الثاني أصبحت خارجة من عدتها، والطلاق الثاني لا يقع إلا بعد خروج الذكر الثاني، فخرج الذكر الثاني فأخرجها من عصمته وحينئذٍ جاء طلاقه ولم يصادف محلاً موجباً للوقوع.
على هذا نقول: إن قال لها: أنتِ طالق طلقة إن ولدتِ ذكراً، وطلقتين إن ولدتِ أنثى، وحملت بذكرين فولدتهما وكانت الولادة متعاقبة كما هو المعروف حكمنا بالطلقة الأولى بالذكر الأول، وحكمنا بكونها معتدة قبل خروج الذكر الثاني؛ لأن كل طلاق له عدته إلا ما استثناه الشرع، فنحكم بكونها معتدة قبل خروج التوأم الثاني، فلما خرج التوأم الثاني خرجت من عدة طلاق الأول؛ لأن الله يقول:{وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}[الطلاق:٤] فلما خرجت من العدة؛ والطلاق الثاني لا يقع إلا بعد تمام الولادة؛ لأنه قال: أنتِ طالق إن ولدتِ ذكراً، فيأتي الطلاق الثاني وهي أجنبية فلا يقع الطلاق الثاني فتطلق طلقة واحدة في هذه المسألة، والعكس في الأنثى، إن قال لها: أنتِ طالق إن ولدتِ أنثى طلقتين فولدت صبيتين فإن الطلقتين تقع بالأنثى الأولى ثم تخرج من العدة بالأنثى الثانية فلا تصادف الطلقة الثالثة محلاً، فلا تبين وإنما تكون أجنبية مطلقة طلقتين فقط.
إذاً: في حال حملها بالتوأم إن تمحض ذكوراً طلقت بالذكر الأول وبانت بالذكر الثاني ولم يقع طلاقها بالثاني، وهكذا في الأنثى، واختلف الحكم في عدد الطلاق بحسب ما علقه على الذكر والأنثى، هذا إذا اتحد التوأم، وكان ذكراً أو أنثى، لكن لو قال لها: أنتِ طالق طلقة إن ولدتِ ذكراً، وأنتِ طالق طلقتين إن ولدتِ أنثى، وحملت بتوأمين ذكر وأنثى، فإن حملت بتوأمين أحدهما ذكر والثاني أنثى فلا يخلو إما أن يخرج أحدهما قبل الآخر، وإما أن يخرجا مع بعضهما دفعة واحدة، فإن خرج الذكر طلقت طلقة واحدة، وأصبحت أجنبية بخروج الأنثى بعده؛ لأنها قد وضعت حملها فجاء طلاق الأنثى -وهما الطلقتان- على أجنبية، مثل ما ذكرنا في تمحض الذكور وتمحض الإناث، فنحكم بكونها طالقاً طلقة إن سبق الذكر وطلقتين إن سبقت الأنثى ولا نتبع الطلقة الأولى في الذكر ولا نتبع الطلقتين في الأنثى؛ لأنها تكون أجنبية بولادة التوأم الثاني، فنوقع الطلاق بالأول، ونخرجها من عصمته بولادة التوأم الثاني ثم نفصل في الأول على حسب ما رتب من العدد، إن طلقة فطلقة وإن طلقتين فطلقتين، لكن لو أنهما خرجا مع بعضهما، وقد قال: إن ولدتِ ذكراً فأنتِ طالق طلقة، وإن ولدتِ أنثى فأنت طالق طلقتين، فإن كان قد قصد أن يكون الولد واحداً منهما، إن ولدتِ ذكراً متمحضاً أو ولدتِ أنثى متمحضة فحينئذٍ لا تطلق؛ لأنها لم تلد ذكراً محضاً ولم تلد أنثى محضة؛ لأنه ما قصد الجمع وإنما قصد أن يكون متمحضاً بالذكورة أو متمحضاً بالأنوثة، فحينئذٍ لا تطلق إلا إذا تمحض الذي في بطنها مولوداً ذكراً أو مولوداً أنثى، هذا إذا كان قوله بصيغة التمحض، وقصد أن يكون مولودها ذكراً أو يكون مولودها أنثى دون أن يكون معه شريك، فلا تطلق؛ لأنه لم يتحقق الشرط الذي بنى عليه تعليقه، لكن لو قصد مطلق الولادة وقصد أنها إذا ولدت ذكراً أو أنثى مجموعين أو متفرقين فإنها تطلق ثلاثاً، طلقتان بالأنثى وطلقة بالذكر، ففي حال كونه يرتب الطلاق على الأنثى طلقتين وعلى الذكر طلقة ويخرجان مع بعضهما، إن قصد تمحض الولادة ذكراً أو تمحض الولادة أنثى وصرح بذلك فحينئذٍ لا تطلق؛ لأنها لم تضع ولداً ذكراً ولم تضع ولداً أنثى وإنما وضعت الاثنين، وهذه المسألة مشهورة حتى في الأيمان، لو حلف وقال: والله لا ألبس ثوباً من غزل فلانة، ثم لبس ثوباً فيه شيء من غزل فلانة، فالثوب ليس كله من غزلها، فهل ننظر إلى تمحض الثوب من غزلها؟ أو ننظر إلى مطلق الوجود؟ فإذا كنا ننظر إلى مطلق الوجود فحينئذٍ يحنث في يمينه، وإن نظرنا إلى التمحض فإنه لا يحنث في يمينه، وكلاهما وجهان في مذهب الإمام أحمد رحمه الله كما حكاه القاضي أبو يعلى وأشار إلى ذلك الإمام ابن قدامة رحمه الله في المغني.
هذا حاصل الكلام في مسألة اختلاف عدد الطلاق بالذكورة والأنوثة.
(إذا علق طلقة على الولادة بذكر وطلقتين بأنثى، فولدت ذكراً ثم أنثى حياً أو ميتاً، طلقت بالأول وبانت بالثاني ولم تطلق به).
قال:(ولدت ذكراً ثم أنثى) لاحظ كلمة (ثم) وهي تقتضي الترتيب، إذا ولدت الذكر ثم ولدت بعده الأنثى؛ نطلقها بحسب السابق ذكراً كان أو أنثى، ثم نحكم بكونها معتدة، ثم نخرجها من العدة بمجرد وضعها للثاني، ونحكم بأن الطلاق الثاني لم يصادف محلاً، وهذا بيناه وفصلناه، لكن لو أنه قال لها: أنتِ طالق طلقة إن ولدتِ ذكراً، وطلقتين إن ولدتِ أنثى، ثم ولدت ذكراً فلما جاءها في وضعها وعنائها فقالت له: هكذا طلقتني يا فلان، قال: راجعتكِ، فراجعها، فجاء المولود المبارك الثاني فحينئذٍ تكون في عصمته ويأتي طلاق الثاني موجباً للبينونة، إذا راجعها قبل خروج الثاني فإننا نحكم بوقوع طلاق الثاني؛ لأن سقوط طلاق الثاني محله أن تكون أجنبية ولم تقع مراجعة، أما لو راجعها وعادت إلى عصمته فإذا خرج المولود الثاني فإنه يوجب الطلاق.
(حياً -كان المولود- أو ميتاً) لأنه قال: إن ولدتِ، والولادة تصدق بمجرد الخروج، فإذا أخرجته حياً فهو مولود وإن أخرجته ميتاً فهو مولود؛ لأن الولادة تقع على مطلق الإخراج، لكن إذا أخرجته ميتاً ففيه تفصيل: إذا كان كامل الخلقة فلا إشكال ويحكم بوقوع الطلاق، وأما إذا كان ناقص الخلقة، فهذه مسألة خلافية، بعض العلماء يقول: كل ما تخرجه المرأة وتسقطه من رحمها قبل تمام خلقته وفيه صورة الخلقة فإنه يتبعه أثر المولود في مسائل، منها: الدم، يعني: لو أنها أسقطت بعض الخلقة، وخرج معها الدم بعد إسقاطه أربعين يوماً، فهل نقول: يأخذ حكم المولود التام فيكون الدم دم نفاس؟ أو نقول: إن الإسقاط قبل تمام الخلقة لا يعتبر نفاساً فلا تأخذ حكم النفاس؟ والذي قواه غير واحد وانتصر له غير واحد من العلماء: أنها إن وضعت شيئاً فيه صورة الخلقة أنها تأخذ حكم النفساء، وعلى هذا فيكون دمها آخذاً حكم دم النفاس، ومن هنا تتفرع مسألة وقوع الطلاق؛ لأنها قد ولدت، والولادة تصدق على إخراج الحمل، وحينئذٍ قالوا: إنه يستوي في ذلك أن يكون تام الخلقة أو ناقص الخلقة، وبعض العلماء يشترط تمام الخلقة، ثم يبقى الإطلاق في كونه حياً أو ميتاً على التفصيل الذي ذكره المصنف رحمه الله.
(طلقت بالأول وبانت بالثاني ولم تطلق به)(طلقت بالأول) لأن بينه وبين الله أنها إذا وضعت فهي طالق، وقد وضعت مولودها فهي طالق، (وبانت بالثاني) أي: أنها إذا طلقت الطلقة الأولى أو الطلقتين إن كان السابق أنثى فإن المولود الثاني يخرجها من عصمة الرجل؛ لأنها قبل ولادة المولود الثاني في عدتها، وكل امرأة حامل إذا وضعت حملها خرجت من عدتها على ظاهر نص التنزيل:{وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}[الطلاق:٤] فتصبح أجنبية بوضع الثاني، فإن أصبحت أجنبية بوضع الثاني فلا يقع عليها الطلاق الثاني على التفصيل الذي تقدم في حال التمحض أو حال الاختلاف.