فلو أن ذمياً كان بين المسلمين، وجاء وقتل مسلماً، أو قتل امرأة مسلمة، قُتل بها، ففي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أن امرأة وجدت وقد رض رأسها بين حجرين، وكانت من الأنصار، فسئلت: من فعل بك هذا؟ فلان فلان حتى ذكروا يهودياً)، وقال بعض أهل العلم: إنه كان اليهودي يتربص بها من قبل، فلما ذُكر اسمه هزت برأسها وأومأت، وهذا ما يسميه بعض العلماء بالتدمية البيضاء، فعند مالك رحمه الله من مسائله في القتل هذه المسألة: أن الشخص إذا وجد في آخر رمق من حياته وقيل له: من الذي قتلك: فلان؟ وهز رأسه، قلنا: هذا تدمية بيضاء موجبة للقسامة ومؤثرة في الحكم؛ لأن الشخص في هذه الحالة أقرب ما يكون إلى الصدق, وأبعد ما يكون عن الكذب؛ لأنه مقبل على آخرته وقد ترك الدنيا، ولا مصلحة له أن يكذب، ولذلك يرى أن قوله هنا يؤخذ به لما ذكر، وستأتي -إن شاء الله- هذه المسألة.
وفي هذه الحالة سئلت المرأة فقيل: من فعل بك؟ فلان فلان؟ فأُخذ اليهودي فأقر واعترف، والحقيقة أن هذا الحديث ليس فيه حجة على ثبوت الدم، بل فيه حجة على ثبوت التهمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتفِ بقولها، وإنما أخذ اليهودي فاعترف، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين، فأخذ ووضع رأسه بين حجرين ورض كما رض رأس الجارية.
وهذا يدل على أن الكافر يقتل بالمسلم، وعلى ذلك إجماع العلماء رحمة الله عليهم، أنه إذا قتل كافر مسلماً؛ فإنه قد أسقط العهد الذي بينه وبين المسلمين فيقتل قصاصاً، ويقتل أيضاً لخروجه عن العهد الذي بينه وبين المسلمين.