الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فيقول المؤلف رحمة الله عليه: [وزوال العقل].
أي: من نواقض الوضوء زوال العقل سواءً كان بسبب مباح أو بسبب محرم، كأن يسكر الإنسان -والعياذ بالله- على وجه يعذر به، أو وجه لا يعذر به، فالوجه الذي يعذر به في السكر أن يشرب شراباً يظنه ماءً فيسكر، فإنه معذور في سكره للجهل، والوجه الذي لا يعذر كأن يشرب المسكر -والعياذ بالله- والمخدر عالماً به، ففي كلتا الحالتين لو شرب ما يزيل عقله من المسكرات والمخدرات -أعاذنا الله وإياكم منها- فإنه يحكم بانتقاض وضوئه.
والسكر له ثلاث مراتب ينبغي على طلاب العلم أن ينتبهوا لها: المرتبة الأولى: يسميها العلماء: الهزة والنشاط والطرب، وهي أول ما يكون لمن شرب الخمر والعياذ بالله! والمرتبة الثانية: أقصى درجات السكر، وهي أن يسقط كالمغشي عليه لا يعرف الأرض من السماء، ولا يعي ما يقول ولا ما يُقال له فهو كالمجنون.
والمرتبة الثالثة: وسط بين المرتبتين.
فاعلم -رحمك الله- أنه إذا بلغ السكران بداية السكر وهي الهزة والنشاط، فإنه مكلف إجماعاً؛ لأنه في حكم المستيقظ، فإذا فعل أي فعل في بداية سكره عند هزته ونشاطه، كأن يطلق امرأته أو يفعل أي فعلٍ فإنه يحكم بمؤاخذته؛ لأن الأصل فيه أنه مكلف حتى يؤثر فيه المؤثر، ولم يبلغ درجة يؤثر السكر فيها عليه.
أما إذا بلغ منه السكر غايته، كأن يسقط كالمجنون فهذا لا يؤاخذ إجماعاً من جهة طلاقه، وإذا طلق فيها فإنه كالمجنون لا ينفذ طلاقه.
وأما الحالة الثالثة المترددة بين الحالتين، فهي التي فيها الخلاف بين العلماء في السكران، هل هو مكلف أو غير مكلف؟ فإذا سكر -والعياذ بالله- المتوضىء، فإنه يحكم بانتقاض وضوئه، ويلزمه أن يعيد الوضوء.