قال رحمه الله:[وإن ثبتت عنته بإقراره أو بينة على إقراره أُجل سنة منذ تحاكمه] العيب الأول: الجب، والعيب الثاني: العنة، وكلاهما متعلق بالرجال، فالعنة أن لا ينتشر العضو، فما يستطيع الرجل أن يجامع المرأة، فإذا اشتكت المرأة وقالت: إن زوجها عنين، فسأله القاضي فقال: نعم إنه عنين ولا ينتشر عضوه، فحينئذٍ يؤجله القاضي سنة، وهذا قضاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما، ومذهب جماهير السلف رحمهم الله أنه يؤجل العنين سنة، وحكى بعض العلماء الإجماع ومضى قضاء المسلمين على أن العنين يؤجل سنة ويترك سنة؛ لأنه ربما كانت العنة في فصل دون فصل، وربما كانت بأسباب من خوف أو رهبة أو طروء النكاح عليه أو نحو ذلك من الأمور فيؤجل سنة؛ لأن السنة فيها اختلاف الفصول الأربعة، فإذا مرت عليه الفصول الأربعة وثبت أنه لا يستطيع الجماع كان من حقها الفسخ، ويكون ابتداء ذلك من حين إقراره، والإقرار أقوى الحجج.
قوله:(أو بينة على إقراره) البينة على إقراره كأن يجلس في مجلس وفيه شهود عدول فيسمعونه يقول: إنه عنين، فحينئذٍ لو اشتكته المرأة فأنكر وقال: لست بعنين، فجاءت بهذين الشاهدين على عنته ثبتت، وهذه شهادة على دليل وهي مقبولة؛ لأن العنة من الأمور الخفية التي لا يمكن أن تعرف إلا من الشخص نفسه أو من زوجه، ولو فتح الباب لكل زوجة أن تدعي أن زوجها عنين لادعت النساء وكذبن في ذلك؛ لأن النساء لسن على حد سواء، ففيهن من تكون جريئة على حدود الله فتكذب، وقد ترغب في الطلاق، وقد ترغب في إضرار زوجها، وقد تريد أن تنتقم من زوجها فتدعي أنه عنين، فإذا ادعت عليه فإننا لا نستطيع الحكم؛ لأن عندنا زوجاً يثبت أنه رجل وأنه ليس فيه هذا العيب، وعندنا امرأة تدعي هذا العيب، فهل نصدق الرجل أو نصدق المرأة؟ فحينئذٍ غالباً ما يثبت هذا بالإقرار، فإذا أقر الرجل أو شهد عدلان على أنه أقر أنه عنين فيؤاخذ بإقراره.
قوله:(أُجل سنة منذ تحاكمه)(أُجل) أي ضرب له أجل، وهو سنة هلالية كاملة (منذ تحاكمه) يعني: منذ أن حاكمته المرأة ورفعته إلى القاضي لا من ابتداء النكاح؛ لأنه في حينها لم تكن ثبتت عنته بعد، فالعبرة بمجلس القاضي، والتأجيل يتعلق بحكم الحاكم، فلما كان التأجيل متعلقاً بحكم الحاكم وبمجلس القضاء كانت العبرة بالترافع، فإذا تأخرت المرأة في رفع قضيتها فهي التي أدخلت الضرر على نفسها، فحينئذٍ يكون تأجيله سنة من حين أن رفعته إلى القاضي، وهذا معنى:(منذ تحاكمه) يعني: إذا حاكمته ورفعته إلى القاضي، وإذا تأخرت فإنها تتحمل مسئولية تأخيرها من قبل، كالرضا بالعيب.
قال رحمه الله:[فإن وطئ فيها وإلا فلها الفسخ] يعني: وطئ خلال السنة فحينئذٍ تكذب المرأة في قولها: إنه عنين؛ لأنه ثبت أنه قادر، ويتبين بهذا أنه مرض عارض، أو أن هذا بسبب النفرة من الزوجة، وإذا وطئ خلال السنة فحينئذٍ يبطل الاعتداد بهذا العيب.
قال:[وإن اعترفت أنه وطئها فليس بعنين] وإن اعترفت هذه المرأة أنه وطئها من قبل فليس بعنين، أو اعترفت بأنه وطئها خلال السنة فليس بعنين.
قال:[ولو قالت في وقت: رضيت به عنيناً سقط خيارها أبداً] من دقة المصنف رحمه الله أن ذكر لك العيب وهو العنة، ثم ذكر لك دليل إثبات العيب وهو الإقرار والشهادة على الإقرار، ثم ذكر لك الحكم وهو التأجيل سنة، ثم ذكر متى يبتدأ بالتأجيل ومتى يحسب وهو من حين الترافع، وشرع بعد ذلك رحمه الله في مسألة الرضا بالعيب؛ لأن الرضا يكون بعد وجود العيب، فإذا ثبت عند القاضي أنها رضيت بعد أن علمت بعنته سقط حقها، مثلاً: رجل أراد أن ينكح امرأة فجاء إلى وليها وقال: إنه عنين، فعلمت المرأة أنه عنين وعقد النكاح فلا خيار لها إجماعاً؛ لأنها رضيت بالعيب، وإذا رضيت بالعيب حال العقد، أو بعد العقد؛ فرضيت وسكتت فحينئذٍ سقط حقها، أما لو علمت بعد العقد ورفعت مباشرة فإنه لا يسقط حقها.