[حكم الاعتكاف بدون صيام والأكل والشرب في المسجد]
السؤال
هل من شروط الاعتكاف في غير رمضان الصيام؟ وهل يجوز الأكل والشرب في البيت الحرام؟
الجواب
هذه مسألة خلافية: هل يشترط للاعتكاف الصوم أو لا يشترط؟ وفيها حديث: (لا اعتكاف إلا بصيام) وفيها حديث عمر رضي الله عنه حينما نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام، وهذه الرواية حجة في إلغاء اشتراط الصوم، فلو كان الصوم واجباً للاعتكاف لأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصوم.
والصحيح: أنه لا يشترط للاعتكاف الصوم، والحديث يجاب عنه بأنه متكلم في سنده، وعلى القول بتحسينه يجاب بأنه للكمال: (لا اعتكاف إلا بصيام) أي: لا اعتكاف كامل الأجر والثواب إلا بالصيام؛ لأن صاحبه يكون فيه على أبلغ صفات الطاعة، فقد جمع بين عبادة البدن الظاهرة وعبادة البدن الباطنة بالجوع والظمأ والحبس عن الشهوة.
ويدل النظر على صحة هذا القول -الذي هو: حمل (لا اعتكاف) على الكمال- أن الإنسان إذا صام ضاق مجرى الشيطان منه، والاعتكاف المقصود منه المبالغة في الطاعة وحضور القلب في العبادة، ولذلك نهي المعتكف عن الخروج إلا من حاجة، فقالوا: إن هذا يدل على أن المراد باشتراط الصيام في الاعتكاف هو الكمال، وكما قال عليه الصلاة والسلام: (لا اعتكاف إلا بالمساجد الثلاثة) فإن المراد به أكمل الاعتكاف وأعظم الأجر فيه؛ لأن الصلاة في هذه المساجد أعظم أجراً من غيرها، وإنما حمل على الكمال لعموم قوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة:١٨٧] فالمقصود أن هذا كله محمول على الكمال لا على نفي الصحة، وبناءً على ذلك فلا يشترط الصوم على أصح الأقوال.
أما الأكل والشرب داخل المساجد فإن العلماء رحمهم الله قد فصلوا في ذلك، فقالوا: لا حرج على الإنسان أن يأكل ويشرب في المسجد؛ لأنه ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه اعتكف وما خرج لطعام ولا شراب) وهذا في حديث عائشة رضي الله عنها ما خرج إلا لحاجة فقط -وهي البول والغائط- وكان يمر على المريض فلا يعرج عليه، وهذا يدل على أن المعتكف يجوز له أن يأكل ويشرب في المسجد، ولا حرج عليه ولكن بشرط ألا يضر بالمسجد وألا يؤذي المصلين، وأن يكون الطعام الذي يدخله لا تنبعث منه الروائح الكريهة، فيتسبب في أذية المصلين بتغيير رائحة المسجد، فإذا كان الأكل والشرب للمعتكف فلا حرج، أما لغير المعتكفين فالأكمل ألا يأكل في المسجد؛ لأن الله تعالى يقول: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور:٣٦] فمن رفعتها وإكرامها وإجلالها أن تجعل للعبادة فقط، قال عليه الصلاة والسلام: (إن المساجد لم تبنَ لهذا)، وأراد كلام الدنيا ومن باب أولى الطعام؛ لأنه لا يسلم من وجود بعض الضرر من رائحة الأطعمة وأذية المصلين بها.
ولذلك الأكمل والأفضل عدم الأكل والشرب في المسجد، أما لو أكل وشرب بالشروط التي ذكرناها فلا حرج، فلو منع من إدخالها إلى المسجد؛ فإنه يصح المنع لمصلحة عامة، وذلك أن الناس إذا استخفوا وتساهلوا فيشرع زجرهم، وخاصة في المساجد التي تجمع عدداً كبيراً من الناس، كالمساجد الثلاثة.
إذاً: لابد أن يكون الأكل في المسجد محدوداً ومضبوطاً بحدود وضوابط معينة لا يكون فيها ضرر بالمصلين ولا بالمعتكفين، فإذا منع من ذلك فإنه لا يجوز تهريب الطعام إلى داخل المسجد.
وأنا أرى أن دخول بعض الأطعمة كالخضروات والبقول ونحوها المطبوخة فيها أذية للمسجد، فإنك تجد أثر ذلك في المسجد، فإذا كانت المساجد مكتظة بالناس، فإنها تحتاج إلى فترة حتى يذهب ريح تلك الأطعمة.
وقد رأيت بعيني في أيام العيد الصبيان يطئون التمر بأقدامهم، أي: أنه ينتشر بالمسجد، فبعض الناس -أصلحهم الله- يتساهلون في الانضباط، فإذا عمّت البلوى واحتيج إلى صيانة المساجد فلاشك أن هذا أمر مطلوب، خاصة في الحال الذي يحصل فيه الحرج والضيق، وأنتم تعرفون أن بعض المساجد يحصل فيها ضيق بالعامة والخاصة، فينبغي على الإنسان أن يتحسب، وإلا فالأفضل للمعتكف أن يقتصر على الأسودين: الماء والتمر، وخاصة في البلد الحرام الذي أكرمه الله عز وجل بماء زمزم الذي هو (طعام طعم وشفاء سقم) فيشدد على أهل مكة أكثر من غيرهم؛ لأن عندهم: (طعام طعم وشفاء سقم) وأبو ذر جلس أربعين يوماً لا يطعم إلا من زمزم.
فالمقصود: أن إدخال الأطعمة فيه ضرر للناس والأفضل الانضباط ما أمكن، والله تعالى أعلم.