حكم من غصب جارحاً أو عبداً أو فرساً
قال رحمه الله: [ولو غصب جارحاً أو عبداً أو فرساً فحصل بذلك صيداً فلمالكها].
قوله: (ولو غصب جارحاً) غصب الجارح يشمل: الكلب المعلم، والطيور الجوارح مثل: الصقر والباز والشواهين والباشق ونحوها من جوارح الطير.
فالجوارح المعلمة سواء كانت من الطيور أو كانت من السباع العادية، إذا اغتصبه وأخذه وصاد به فللعلماء في ذلك وجهان: قال بعض العلماء: إذا أخذ الكلب وصاد به ملك الغاصب الصيد ورد الكلب.
وقال بعض العلماء: بل إن الصيد يكون ملكاً لصاحب الكلب، وهذا هو الصحيح الذي اختاره المصنف رحمه الله، والحنابلة والشافعية على هذا، أنه إذا اغتصب جارحاً فإن صيده يكون للمالك؛ وذلك لأن الجارح هو الذي أخذ الصيد، وأخذه وهو ملك لصاحبه، والشرع أحل لصاحبه المنفعة وأن ينتفع بذلك الكلب ويرتفق به.
لكن أصحاب القول الأول قالوا: إن الجارح من حيث الأصل لا يملك؛ فليست هناك يد وإنما له يد على المنفعة، فإذا اغتصبه حينئذٍ لا يكون هناك ملك لصاحب اليد الأصلية، فيبقى الانتفاع للغاصب وليس للمغصوب منه.
والصحيح: أن الصيد يكون للمغصوب منه.
وقوله: (أو عبداً).
أو غصب عبداً، فصاد هذ العبد وحصلت منه المنفعة، فإنه يكون ملكاً للمغصوب منه وليس للغاصب.
وقوله: (أو فرساً).
وهكذا الفرس لو أنه ارتفق به وانتفع، فإنه يضمن، وهذه المسألة تعرف بمنافع المغصوب، ومنافع المغصوب يمثل لها بالحيوانات، ويمثل لها بالعقارات؛ لأن الحيوان إما أن يكون آدمياً أو غير آدمي، فمثل لغير الآدمي بالجارح، ومثل للآدمي بالعبد، ومثل لغير المنقول بالعقار وهو الدار، ومثل للحيوان بالفرس.
فأصبح إما أن يكون حيواناً يملك منفعته، وإما أن يكون حيواناً يملك ذاته، وإما أن يكون آدمياً بالنسبة للمنافع، ومنافع الحيوانات إما أن تكون منفعة من حيوان لا تملك ذاته كالأسد والكلب، ولكن تملك منفعته: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة:٤] فإنه تملك منفعة الصيد به، ولذلك الكلب لا تملك عينه، وإذا أتلفه الغير فلا يضمن قيمة الكلب كما ذكرنا؛ لأن الشرع أسقط الثمن أو القيمة في الكلب، ففي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثمن الكلب سحت).
فإذاً: غصب الحيوان يشمل الآدمي وغير الآدمي؛ فإن كان آدمياً مثل له بالعبد، وإن كان غير آدمي فإما أن يكون حيواناً تملك ذاته ومثل له بالفرس، فالمنفعة تابعة لملكية الذات، أو يكون حيواناً لا تملك ذاته ومثل له بالجارح، فهذا التمثيل المراد به التقسيم ببيان التنظير في أصل المسألة في ملكية المنافع.
وقوله: (فحصل بذلك صيد فلمالكه).
يعني: من الكلب أو العبد بأن صاد له، أو ركب الفرس وصاد عليه، ففي هذه الأحوال كلها المنافع تكون ملكاً للمالك الأصلي للمنفعة أو المالك للرقبة مع منافعها على التفصيل الذي ذكرناه.