للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الخيار وأهميته]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [باب الخيار: وهو أقسام: الأول: خيار المجلس]: تقدم معنا أن الخيار هو طلب خير الأمرين: والمراد بالأمرين عند أهل العلم رحمهم الله إمضاء البيع أو فسخه، ولذلك يقولون: الخيار أن يكون لأحد المتعاقدين أو لهما حق إمضاء العقد أو فسخه، فالمشتري يكون له الحق أن يمضي الصفقة أو يلغيها.

والبائع له الحق أن يمضي الصفقة أو يلغيها، وقد قدمنا أن الخيار يختلف بحسب اختلاف العقود، وأن الشرع إذا ترك العقد جائزاً للطرفين فإن من حقك أن تفسخ في أي لحظة، مثل الشركة والوكالة، فإن من حقك في أي لحظة أن تقول: أريد فسخ الشركة، أو أريد فسخ الوكالة، سواءً كان الموكل أو الوكيل أو كان الشريك أو شريكه المقابل له.

فالعقود التي تكون غير لازمة يكون الخيار فيها للطرفين، وقد يكون الخيار لأحد الطرفين دون الآخر، كما في الجعالة، وذكرنا أن من حق أحد الطرفين أن يفسخ دون الآخر، وهذا مبني على أنها في الابتداء يكون الخيار فيها للطرفين، حتى إذا شرع ووجد الشيء الضائع أو المفقود، وجاء به إلى صاحبه، فإنه يصير العقد حينئذ لازماً، ويجب على مالك الشيء الضائع أن يدفع الجعل لمن جاء به.

وقوله رحمه الله: (باب الخيار) أي: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من المسائل والأحكام التي تتعلق بتخيير المتبايعين، أو أحدهما في صفقة البيع، والسبب في هذا: أن الخيار تارة يكون من الشارع، وتارةً يكون من المتعاقدين أو من أحدهما.

فما كان من الشارع مثل خيار المجلس، فقد جعل الله عز وجل لكلا المتبايعين الحق بفسخ العقد أو إمضائه ما دام في المجلس.

وما كان من المتعاقدين مثل خيار الشرط، كأن تقول: أشتري منك هذه العمارة بشرط أن لي الخيار ثلاثة أيام، ويقول البائع: بشرط أن لي الخيار أربعة أيام، فأنت أدخلت الشرط على العقد، وأدخل البائع الشرط على العقد، فليس الخيار ناشئاً من حكم الشرع، ولكنه ناشئ من المتعاقدين وإن كان في الأصل أن الشرع أذن به وأجازه، كما سيأتي بيانه في دليل خيار الشرط.

وقد يثبت الخيار بسبب أمر يخل بالعقد، مثل التدليس والكذب والغش، فلو باعك عمارةً أو أرضاً أو سيارةً مغشوشةً، فإنه يكون لك خيار العيب، وهذا راجع إلى حقك في الصفقة، فإنك إذا اشتريت العمارة كاملة وتبين أنها ناقصة، فإنك قد دفعت المال الكامل للشيء الكامل، أو دفعت المال على أن السلعة بصفة معينة، فلما تبين أنها معيبة، فحينئذٍ يكون لك الخيار في أن تفسخ البيع، وأن تأخذ مالك وتنشئ العقد من جديد، أو ترضى بإمضاء الصفقة وتأخذ الأرش، كما سيأتي إن شاء الله في خيار العيب.

<<  <  ج:
ص:  >  >>