حكم من حلف ألا يفعل شيئاً ففعله ناسياً أو جاهلاً
قال رحمه الله: [وإن حلف على نفسه أو غيره ممن يقصد منعه كالزوجة والولد أن لا يفعل شيئاً ففعله ناسياً أو جاهلاً حنث في الطلاق والعتاق فقط].
هذه المسألة ترجع إلى قضية حق الله عز وجل وحق المخلوق، فإذا كان حلف على غيره أن لا يفعل، كولده وزوجته ممن له عليه سلطان، فإنهم فرقوا بين الطلاق والعتاق الذي هو تعلق حق المخلوق بهما دون غيره، أما وجه تعلق حق المخلوق في العتق والطلاق، فلو قال له: إذا فعلت كذا فعبدي فلان حر، وهذا العتق، أو إذا فعلت كذا فزوجتي فلانة طالق، أو زوجتي طالق، أو نسائي طوالق، هذا الطلاق.
في هذه الصور كلها، هذا الحلف على المنع أو الحمل على فعل الشيء في شخص له عليه سلطة وقوة، قالوا: إنه يسقط المؤاخذة بالنسيان في هذه الصور كلها إلا العتق والطلاق؛ لأن العتق تعلق به حق المخلوق، فلو أن الشخص هذا الذي قال له: والله ما تشتري من البقالة.
وإن اشتريت فزوجتي فلانة طالق، هنا تعلق الطلاق بمن له عليه سلطة كولده أو زوجته.
قالوا: إذا فعل هذا المحلوف عليه والمعين ناسياً فإنه لا كفارة عليه ولا يحنث، ولا يلزمه شيء، إلا في الطلاق، والعتق.
فإنه إذا فعله ناسياً حكمنا بالعتق وبوقوع الطلاق؛ لأنه حق للزوجة، أنها تطلق من زوجها، وتنحلُّ العصمة، وحق للملوك؛ لأنه خرج عن الملكية، فما نستطيع أن نقول: إن النسيان مؤثر.
لماذا؟ لأنه دلت النصوص على أن النسيان لا يسقط حقوق المخلوقين.
فلو أن شخصاً نسي ديناً لشخص عليه، ثم رفعه إلى القاضي فقال: عليه دين لي؟ قال: ليس له عليّ شيء.
وهو ناسٍ، وحكم القاضي بأنه لا شيء عليه، ثم بعد عشرين سنة تذكَّر أن عليه ديناً، فهل يسقط الحق هنا؟
الجواب
لا، ويجب عليه الضمان، ويسقط عليه الإثم مدة النسيان، فالنسيان يسقط الإثم، ولكن لا يسقط الحق من المخلوق.
إذاً النسيان الذي هذا حكمه يؤثر ما لم يكن فيه التبعة، الذي هو موجب الضمانات، وقد تقدم معنا في أكثر من مسألة بيان هذا.
وقد استثنى المصنف رحمه الله العتق والطلاق لتعلق حق المخلوق به، فحينئذٍ المرأة لها حق والمملوك له حق، وبعض المتأخرين من العلماء رحمهم الله قال: إن هذا ضعيف أن يسوى الطلاق بالعتق، فقبل الطلاق ولم يقبل العتق.
قال: لأن المرأة قد تبكي وتقول: أريد زوجي وما تريد الطلاق، والواقع أن جمهور العلماء لما قالوا بهذا، قالوا به بوجه صحيح.
وهناك أمر ينبغي على طالب العلم أن ينتبه له وهو: أن كثيراً من إيرادات المتأخرين تنحصر في صور معينة، ولذلك تجد بعض المتأخرين يأتي بصورة عاطفية، أو يأتي بشيء محدود يعيب به على كلام العلماء وينتقدهم فينبغي أن ينتبه لهذا؛ فإننا كثيراً ما نجد ضوابط العلماء شمولية أو عمومية أو غالبية لا تتقيد بصور معينة، وهذا أمر مهم جداً؛ لأن أحكام الشريعة لا تتقيد بحالة دون أخرى.
المقصود أنه قال: إنه قد تبكي المرأة، نقول: أيضاً المملوك الذي حكمنا بعتقه قد يقول: أريد سيدي، لا أريد أن أعتق منه.
وأذكر أيام الرق كان للجد والأسرة منهم بعض من عتق وأبوا أن يبرحوا الجد، بسبب حسن المعاملة، وقد لا يرضى الإنسان، ويحب أن يكون عند سيده؛ من حسن معاملته، وشرفه، وطيبه، وعلمه، فتجد من يبكي ويتذمر منهم.
وأدركنا أناساً حدثونا عن أناس ممن كانوا لا يريدون أبداً أن يعتقوا من أسيادهم، فرجعوا إلى أسيادهم وأصروا على البقاء عندهم.
إذاً المعنى في العتق هو نفس المعنى في الطلاق، ما الذي جعلهم يقولون: إن المرأة عندما تطلق عتقت من موجب العصمة؛ لأن قيام الرجل عليها تضييق في حريتها، هذا بأصل الشرع، وإن كان فيه مفسدة، لكن له مصالح أعظم، ونحن نقول: إن الطلاق يوجب لها الراحة والفكاك في غالب الصور، بغض النظر عن الآحاد، وهذا أمر ينبغي أن يتنبه إليه.
وعلى هذا لا يرد ما ذكره بعض المتأخرين بالتفريق بين العتق والطلاق، والمصنف جمع بينهما وجمعه صحيح ونص عليه الأئمة رحمهم الله.