للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[كيفيات الاستسقاء]

قوله: [صلوها جماعة وفرادى].

مذهب العلماء رحمة الله عليهم -ويكاد يكون مذهب الجماهير- أن صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة، وقال بعض العلماء: إنها مستحبة.

والنصوص دالة على تأكد هذه السنة، ويقوم الإمام بالاستسقاء عند رؤية أحوال الناس أو شكواهم.

والاستسقاء على ثلاثة أنوع: النوع الأول: أن يكون بالصلاة مع الجماعة، وهذا هو الذي يعتني العلماء رحمهم الله ببيان أحكامه ومسائله في الغالب، وهو الذي ينصبّ عليه الحديث في باب صلاة الاستسقاء.

النوع الثاني من الاستسقاء: الاستسقاء من الأفراد، وذلك أن يستسقي الإنسان وحده، كأن يكون صاحب مزرعة، أو صاحب دواب ويتضرر بعدم وجود الكلأ، فيصلي ويسأل الله عز وجل، ولكن على غير صفة صلاة الاستسقاء، وإنما يصلي صلاة مطلقة يسأل الله عز وجل فيها من فضله، ويتضرع إلى الله سبحانه وتعالى، فهذا استسقاء من الأفراد.

النوع الثالث من الاستسقاء: الاستسقاء في صلاة الجمعة، وهذا ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه: (أن رجلاً من الأعراب دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ادع الله أن يغيثنا وفي رواية: أنه اشتكى الجهد واللأواء التي هم فيها، وفي بعض الروايات أنه وصف شدة الجدب إلى درجة أن الدابة لا يتحرك لها ذيل من شدة ما هي فيه من الإعياء والنصب، فلما اشتكى لرسول الله صلى الله عليه وسلم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم كفيه حتى رئي بياض إبطيه، وقال: (اللهم أغثنا.

اللهم أغثنا.

اللهم أغثنا) قال أنس: فوالله ما في السماء من سحابة ولا قزعة، حتى خرجت من وراء سلع كالترس -يعني السحابة- فأمطرتنا سبتاً.

وقد جاء في هذا الحديث أنهم لم يروا الشمس بسبب المطر، وما جاء قوم من ناحية إلا وذكروا الحياة والمطر وأنهم سقوا، قال: فلما كانت الجمعة الثانية دخل الرجل فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل! فقال عليه الصلاة والسلام: (اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الضراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر)، وفي رواية: أنه ما أشار إلى جهة إلا تفرق السحاب عنها، وهذا من معجزاته صلوات الله وسلامه عليه.

فالمقصود: أن الاستسقاء ثلاثة أنواع: النوع الأول: الاستسقاء جماعة، وذلك بالصلاة كما سيصفه المصنف رحمه الله.

النوع الثاني: الاستسقاء فرادى، بأن يدعو الإنسان، فالإنسان لو كان جالساً في مزرعته، أو بين دوابه وبهائمه، ونظر إلى شدة ما هو فيه، وتذكر ذنوبه وإساءته في جنب ربه فرفع كفه إلى الله يسأله أن يغيثه ويرحمه فهذا مشروع ولا حرج فيه، ولو صلى وسأل الله عز وجل في صلاته واسترحم ربه فإنه لا حرج عليه في ذلك؛ لأنه داخل في عموم التضرع، لكنه لا يصلي صلاة الاستسقاء بصفتها إذا كان منفرداً، وإنما يصلي صلاة مطلقة لعموم حديث عائشة: (كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة)، وقد ندب الله عز وجل المبتلى للصلاة عند حصول البلاء، فقال سبحانه: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:٤٥]، فلذلك لا حرج أن يدعو.

النوع الثالث: الاستسقاء يوم الجمعة، ويكون الاستسقاء يوم الجمعة من الخطيب إذا اشتكى إليه الناس، أو رأى هو ما بهم وأحسّ بحاجتهم، فإنه يستغيث ويسأل الله العظيم من فضله.

وقول المصنف: (إذا أجدبت الأرض) كأنه يشير به إلى الوقت الذي يكون فيه الاستسقاء، وبناءً على ذلك فإن الزمان الذي يقع فيه الاستسقاء هو وقت حصول المشقة والحاجة من الناس، حتى ولو كان ذلك في الصيف، فإن رحمة الله واسعة، والذي ينزل الغيث في مواسمه قادر على أن ينزله في غير مواسمه، فقد قال تعالى: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة:١٢٠]، وقد قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس:٨٢ - ٨٣].

<<  <  ج:
ص:  >  >>