للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم الصلح على ترك الشهادة]

[بترك شهادة]: الشهادة نعمة من الله سبحانه وتعالى على الناس وعلى القضاء، وهي توصل الحق لصاحبه.

ولذلك يقول القاضي أبو أمية شريح الكندي رحمه الله، وكان قاضياً لثلاثة من الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، عمر وعثمان وعلي وهو إمام من أئمة القضاء، وكانت له حكم عجيبة، يقول رحمه الله: (إن القضاء بلاء) وفي رواية: (إن القضاء جمرة) يعني: ناراً وعذاباً (فنحه عنك بعودين) فالجمرة تدفعها بعودين، والعودان هما الشاهدان العدلان.

فإذا جاء الشاهدان العدلان عرفت صدق المدعي في دعواه فأوصلت الحق لصاحبه، فالشهادة تعين على الحق، وتعين على الوصول إلى الحق.

فإذا استُخدم التزوير والكذب أو كُتمت الشهادة ضاعت الحقوق، فالذي يكتم الشهادة يظلم المظلوم ويكون معيناً للظالم على ظلمه؛ لأنه لو نطق بالحق لعرف القاضي الحق وأوصله إلى صاحبه، فهو ظالم للمظلوم، وظالم للقاضي، لأن القاضي سيحكم أن المدعى عليه بريء، مع أنه فعلاً متهم ومطالب، فلما سكت الشهود حكم بالباطل.

فيصبح الساكت عن الشهادة مضراً بصاحب الحق، حيث إنه لم يتوصل إلى حقه، ومضراً بالقضاء، وخائناً للأمانة؛ لأن الشهادة أمانة، والله تعالى بيّن ذلك بقوله: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة:٢٨٣] فشهد الله عز وجل بأنها مظلمة وأنها إثم، وقال تعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:٢] فهي معونة على الإثم والعدوان إذا كتمت.

وعلى هذا فلو أن رجلاً شهد بالحق وهو يعلم أن فلاناً صادق في دعواه، فقال المشهود عليه للشاهدين: نعطيكما عشرة آلاف ريال، وتسكتا؛ فإنها رشوة، فكما أن القاضي يأخذ المال رشوة للحكم بالباطل؛ فإن الشاهد أخذ المال لسكوته عن الشهادة فيتوصل بها إلى ظلم المظلوم وإعانة الظالم، فلا يجوز أخذ العوض على كتمان الشهادة.

لكن لو كانت الشهادة في حق يسع السكوت عنه.

مثلاً: من رأى رجلاً يزني بامرأة فإن من حقه أن يسكت، وإذا سكت وسترهما فإن الله يستره، ويجوز ذلك ويشرع؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: (من ستر مسلماً ستره الله) وأجمع العلماء على مشروعية الستر، فلو قال له قائل: اسكت ولا تشهد وأعطيك.

فهل يجوز أن يأخذ؟ نقول كما قال الأئمة رحمهم الله: إنه إذا سكت في هذه الحالة فإن الشهادة في الأصل حسبة لله، فإذا سكت عنها لله قبل السكوت، لكن إذا سكت عنها من أجل المال، فقد أخذ المال بدون حق؛ لأنها ليست من جنس ما يعاوض عنه؛ ولأن السكوت عبادة لله، والعبادات لا تجوز المعاوضة عليها، هذا بالنسبة لكتمان الشهادة.

[وتسقط الشفعة والحد]: يعني: إذا أعطاه المال من أجل أن يسكت عن الحد وسكت سقط الحد، ويبوء بإثمه والعياذ بالله إن كان فيه ظلم، وكذلك بالنسبة للشفعة فإنه إذا رضي أن يناقل عنها وينتقل؛ فإنه لا تصح المعاوضة وتسقط الشفعة، فلا هو أخذ المال ولا هو أدرك حقه بالشفعة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>