للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم الدم إن أصاب الثوب]

السؤال

هل دم الإنسان إذا أصاب الثوب يجب غسله؟ أو أن الشرع حدد المقدار الذي يجب غسله؟

الجواب

جمهور العلماء على أن الدم المسفوح نجس؛ لقوله تعالى: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام:١٤٥]، وقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (اغسلي عنك الدم، ثم اغتسلي وصلي)، فهذا أصل عندهم في أن الدماء نجسة.

وقال بعض العلماء: إنها طاهرة؛ لحديث الشعب، ولصلاة عمر رضي الله عنه وجرحه ينزف، وقد أجيب عن حديث الشعب؛ بأنه من النزيف الذي لا يرقأ، لأنه أصيب بالسهم، والسهم غالباً ينزف، والنزيف لا يرقأ، ولذلك محل الخلاف لا يستقيم به الاستدلال، وكذلك عمر رضي الله عنه، لأن جرحه استنزفه إلى الموت، ولذلك قالوا: لو رعف الإنسان -مع قولهم بالنجاسة- أو المرأة المستحاضة يستثقل معها الدم، فهذا من العفو؛ لأنه لا يمكنها إيقافه، فالاستدلال بهذا الحديث فيه نظر من هذا الوجه، كما ذكر جمهور العلماء رحمهم الله والصحيح: أنه نجس، وحكمه حكم النجس؛ يجب غسل الدم، لكن الدم على حالتين: الحالة الأولى: أن يكون يسيراً.

والحالة الثانية: أن يكون كثيراً، وهو الذي يسميه بعض العلماء: متفاحشاً.

واختلف العلماء رحمهم الله في التفريق بين اليسير والكثير، أو الكثير والمتفاحش، فمنهم من يقول: إذا بلغ قدر الدرهم فهو يسير، وإن كان أكثر من الدرهم فهو كثير يجب غسله.

ومنهم من قال: إن الكثير والقليل يفرق بينهما بما لا يتفاحش في النفس؛ يعني إذا رآه كثيراً حكم بكونه كثيراً، وإذا رآه قليلاً حكم بكونه قليلاً.

والأول أقوى، لكن يوجد حديث ضعيف، وهو حديث الدرهم البغلي، لكن حكي الإجماع على أن قدر الدرهم من العفو، ولذلك يستدل بعض العلماء على أنه يصح من جهة العفو، ويؤخذ بهذا الأمر المتفق عليه؛ وهو أشبه.

وقدر الدرهم تقريباً: قدر الهللة القديمة الصفراء؛ فإنها تقارب الدرهم كما حرره بعض مشايخنا رحمة الله عليهم، فإذا كان مجموع الدم مقدار ذلك فهو من العفو فما دون، ولذلك عصر عبد الله بن عمر بثراً في صلاته ولم يقطعها؛ لأنها من اليسير، وهذا من حيث الأصل-أعني اشتراط أن يكون كثيراً- ودليله ظاهر آية الأنعام؛ فإن الله تعالى يقول: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام:١٤٥]، فجعل الحكم بالنجاسة مبنياً على كونه مسفوحاً، والمسفوح في لغة العرب: الكثير.

ففرق الله بين القليل والكثير، ولذلك ذهب جماهير السلف والخلف إلى هذا التفريق، على ظاهر النص في قوله: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام:١٤٥].

والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>