[حكم اشتراك العاقلة في دفع دية العمد]
السؤال
إذا جرى في عرف القبيلة أن دية العمد يشترك فيها العاقلة، فهل فيه حرج؟ أثابكم الله.
الجواب
لا.
هذا خلاف شرع الله عز وجل، دية العمد لا تشارك فيها القبيلة؛ لأن هذا يجرئ العصاة على سفك الدماء.
لكن لو أن هذا القاتل تاب وأصلح واستقام، وأحبت القبيلة أن تقف معه لتوبته وصلاحه هذا أمر آخر، أما عاص مجرم سفاك لدماء المسلمين يقتل عمداً، ثم تأتي القبيلة وتساعده في ذلك، فهذا من الظلم؛ لأن هذا من الإعانة على الظلم، ويقع فيها إحراجات، فلو أتى شيخ القبيلة وفرض ذلك على القبيلة، فيكون قد ظلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصول الشريعة والإجماع منعقد على أن العاقلة لا تحمل إلا في الخطأ.
أما إذا قتل عمداً وجئنا نساعده فمعنى ذلك أننا نعينه على قتل المسلمين ولا يبالي، ثم هو لا يحس أصلاً أنه قتل؛ لأنه عفا الأولياء عن القتل، ثم قامت جماعته وقبيلته بجمع المال فلم يخسر شيئاً، فإذا أصبح الأمر بهذه المثابة لم يشعر بحرمة هذا الدم الذي سفك، لكن عندما يتحمل دفع الدية إذا عفا أولياء المقتول، وغلظت عليه، وامتنعت قبيلته من أن تعينه أو تساعده، شعر أنه منبوذ بجرمه وأنه مسيء بخطئه، وأنه تعدى حدود الله عز وجل بفعله، وحينئذٍ يصلح حاله ويكون أدعى إلى أن يستقيم.
أما إذا كان كلما جنى جناية يعلم أن قبيلته تقبل شفاعتها، ثم يعلم أن القبيلة الأخرى لا تستطيع أن تطالب بالدم، فيحرجون، ثم يتنازلون عن الدم، وتدفع قبيلته الدية، وهكذا يسترسل في الفساد، ويسفك الدماء المحرمة، فهذا لا يجوز، ويجب على ولي القبيلة وشيخ القبيلة أن ينظر ما هو الأصلح، وأن يتقي الله عز وجل فلا يحمل أفراد القبيلة إلا ما أمر الله عز وجل بتحميلهم إياه، وهو قتل الخطأ، والعاقلة تعقل الخطأ ولا تعقل العمد، وهذا بإجماع المسلمين.
وعلى هذا: فإن هذا الفعل إذا أصبح سنة في القبيلة فإنها سنة سيئة، ويجب تعليم هؤلاء وتذكيرهم بالله عز وجل وبيان الحق لهم، فإن إجماع العلماء على أن العاقلة لا تحمل إلا الخطأ، وعليه: فإننا لو حملنا العاقلة العمد فقد خالفنا شرع الله عز وجل، وهي سنة سيئة ومعونة على الإثم والعدوان، وقد نهى الله عز وجل عن ذلك بقوله: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:٢].
فحرم الله عز وجل التعاون على الإثم والعدوان، فالقاتل أثم بقتل النفس المحرمة، واعتدى حدود الله عز وجل، وزوال الدنيا أهون عند الله من سفك دم المسلم البريء، والكعبة عظيمة الحرمة عند الله، ولدم المسلم أعظم حرمة عند الله من الكعبة.
يقول ابن عمر رضي الله عنه: إن من ورطات الأمور سفك الدماء المحرمة.
وفي الأثر: (لا يزال المؤمن في فسحة من أمره حتى يسفك دماً حراماً) فإذا سفك الدم الحرام والعياذ بالله فقد أوبق نفسه وأهلكها، ولذلك جعلها النبي صلى الله عليه وسلم بعد الشرك بالله عز وجل، فقال: (اجتنبوا السبع الموبقات -يعني المهلكات- الشرك بالله، وقتل النفس المحرمة).
فهذا يدل على حرمة هذا الذنب وعلى عظمه؛ وهو قتل النفس المحرمة، فكيف يعان عليه؟ هذا لا يجوز، فإذا ثبت هذا فإنه ينبغي تنبيه هؤلاء وإرشادهم وتعليمهم.
لكن نقول لشيخ القبيلة: جزاك الله خيراً على حفظ الرحم وحبك أن تنصر أخاك، ولكن انظر في حال القاتل، فإن وجدت عنده استعداداً أن يتوب، وحاله صلح واستقام، ورأيتم أن تعينوه فهذه حسنة منكم وأنتم مجزيون عليها خيراً، استصلاحاً لحاله، لكن لابد وأن يشعر بالجريمة التي فعلها، والعظيمة التي أتاها، والله تعالى أعلم.