قال المصنف رحمه الله:[حتى في نكاحٍ فاسدٍ فيه خلاف، وإن كان باطلاً وفاقاً لم تعتد للوفاة].
تقدم معنا النكاح الفاسد وهو الذي اختلف العلماء فيه فقال بعض العلماء: إنه فاسد، وقال بعض العلماء: إنه صحيح، ومن أمثلة ذلك: النكاح بدون ولي فإن الحنفية -رحمهم الله- يصححونه والجمهور يبطلونه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث ابن عباس رضي الله عنه:(لا نكاح إلا بولي) - فهذا نكاح فاسد فيه خلاف، فلو نكح نكاحاً فاسداً فيه خلافٌ لزمتِ العدة، فمن حيث الأصل الأنكحة التي فيها خلاف بين العلماء، إذا عقد شخصٌ معتمداً على القول الثاني الذي لا تراه فنكاحه صحيح، لأنه لا إنكار في المختلف فيه.
لكن لو أنك سئلت عن هذا النكاح.
يعني: طلب منك القضاء في مثل هذا العقد ورفع إليك ورضيا بك، فحينئذ تحكم ابتداءً لا استئنافاً؛ لأن الاستئناف تصحيح عقود المسلمين التي مضت على أحد قولي العلماء رحمهم الله، وهذا سيأتينا -إن شاء الله- في كتاب القضاء، هذا في مسائل الفروع المختلف فيها، هل من حق القاضي أن ينقض القضاء أو لا؟ والذي عليه العمل عند العلماء: أنه لا ينقض حكم غيره بناء على اجتهاد الغير إلا إذا خالف نصاً قطعياً في كتاب الله عز وجل، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، أو الإجماع، أما إذا كان من المختلف فيه فلا ينقض، لكن لو ترافعا إليه قضى بما ترجح في نظره، فالقاضي يقضي بما ترجح عنده لا بما ترجح عند الخصوم، وبناء على ذلك: يحكم بفساد هذا العقد أو بصحته ولا يوجب الحد على الزوجين؛ لأن لهما شبهة شرعية، وبناء على ذلك: لو رُفع إليه هذا النوع من النكاح الذي يراه فاسداً فإنه تثبت العدة إذا حكم بفسخه.
والفائدة التي نستفيدها من هذا: أن العدة تكون في نكاح صحيح وفي نكاح فاسد، بخلاف بعض العقود الشرعية التي إذا فسدت فسدت آثارها، وبعض الأحيان يفسد العقد ويبقى الأثر، ويحكم ببعض الآثار المترتبة عليه كالعقد الصحيح، مثل مسألة: العدة، حيث تبقى كالعقد الصحيح ويثبت المهر بما استحل من فرجها، وفي بعض الأحيان يحكم بفساد العقد وما يترتب عليه من آثار، كما إذا كان حكم بأن البيع فاسدٌ للربا؛ فإنه يبطل من أصله ويرد الثمن والمثمن، ويرد الطرفان النقدين إذا تصارفا على وجه الربا، ويبطل ما ترتب على ذلك، فلو أن الذهب الذي اشتراه بصفقة ربوية أصبح يساوي أضعافه فلا يأخذ المشتري الربح؛ فهذا يفسد وتفسد آثاره، كذلك في العبادات في بعض الأحيان يفسدها الشرع ويحكم بفسادها وفساد آثارها، ولا تلزم الآثار، ولا يلزم ضمان الإخلالات، وبعض الأحيان تفسد العبادة ويلزم ضمان الأخطاء التي تقع فيها كالصحيح، ومن أمثلة ذلك مثلاً: الصلاة، فإذا حكمنا بفسادها كما لو صلى ثم تكلم كلاماً أفسد صلاته، فإن الصلاة تبطل كليةً ولا يلزمه سجود سهو إن كان قد سها قبل الإفساد، ولا يلزمه ضمان ما فيها من أخطاء.
ولو أنه حج حجاً فأفسده بجماعٍ قبل الوقوف بعرفة، فإننا نقول له: أتم هذا الحج الفاسد، ولو وقع منه أي محظور آخر لزمه ضمانه، فنحكم بفساده ولزوم الضمان كالصحيح، فيشبه الفاسد من وجه ويشبه الصحيح من وجه آخر، وهكذا -مثلاً- في العمرة، لو أنه أحرم بالعمرة وجامع زوجته قبل الطواف بالبيت أو قبل السعي بين الصفا والمروة -بين الطواف والسعي- حُكم بفساد عمرته، ثم لو أنه بعد أن جامعها تطيب أو قص أظفاره أو قلم أظفاره أو قص شعره لزمه ضمان مثل هذا بالفدية.
إذاً: هناك أشياء يحكم الشرع بفسادها وتترتب آثارٌ عليها كالصحيحة، وهناك أشياء إذا حكم بفسادها حكم بفساد ما يترتب عليها، فهنا حكمنا بفساد العقد ولكن تترتب العدة؛ لأنها لبراءة الرحم فيستوي فيه العقد الصحيح والعقد الفاسد، وحتى في الزنا -والعياذ بالله- إذا وطئت المرأة بالزنا وأرادت أن تتزوج بعد هذا الزنا فلا يجوز لها أن تتزوج حتى تستبرئ رحمها، كما سيأتينا إن شاء الله تعالى.