القول الثاني: يجوز التداوي بالخمر، وهذا القول هو القول الثاني عن الإمام أبي حنيفة، والقول الثاني عن الإمام الشافعي، لكن جمهور أصحاب الإمام الشافعي اختاروا القول الأول المحرم مثل الحنابلة، واختار هذا القول الإمام ابن حزم الظاهري رحمه الله، الذين يقولون: يجوز التداوي بالخمر، ذكروا لذلك شروطاً: الشرط الأول: ألا يوجد بديل عن الخمر مما أحل الله، فقالوا: إن وجد بديل عن الخمر لم يجز التداوي بها، فهم يتفقون مع الجمهور أنه لوكانت الحالة التي يراد علاجها لها دواء مباح فإنه لا يجوز له أن يتداوى بالخمر، وتكون مسألة إجماعية.
الشرط الثاني: أن يخبِره بالحاجة إلى الخمر، وأنها علاج ودواء لهذا الداء طبيب عدل يوثق بقوله وأمانته، وبعضهم يشترط إسلامه، فلو أخبر بذلك طبيب غير مسلم، قالوا: لا تقبل شهادته؛ لأنه متهم، والغالب أن العداوة الدينية تحمل على الاستهتار في أمور الشرع، فقالوا: لا نقبل قوله، ومن هنا كان الإمام أحمد رحمه الله يعالجه طبيب يهودي فيقبل قوله إلا في أمور تتعلق بالدين، فإذا قال له: أفطر، لا يفطر، وإذا أمره بأمر محرم أن يفعله لم يقبل قوله، حتى يرجع إلى أطباء المسلمين، فلم يكن يقبل شهادته في هذا؛ لأنه متهم في قوله وخبره.
الشرط الثالث: أن يكون تعاطي الخمر في حدود الحاجة والضرورة، فلا يزاد عليها، فإن زاد عليها وقع في الحرام، فيكون تعاطيه للمادة المخدرة في حدود الحاجة والضرورة، وهذا راجع إلى القاعدة الشرعية: ما أبيح للحاجة والضرورة يقدر بقدرها.
الشرط الرابع: أن يشربها بقصد الدواء والعلاج لا تلذذاً، بمعنى أنه أثناء شربه لها يعتقد تحريمها، ويكره هذا الشرب، ويحس كأنه مكره عليه تلافياً للاستباحة؛ لأن الاستباحة تكون بالباطن كما تكون بالظاهر، فهو وإن أُذن له في الظاهر، لكنه في الباطن إن مال قلبه إلى حبها فأحب شربها وتلذذ بذلك خرج عن كونه مسترخصاً، وأصبح يعصي باطناً، وإن كان قد أبيح له في الظاهر.