للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[خلاف العلماء فيمن يجوز له التمتع]

مسألة: من الذي يتمتع؟ ينقسم الناس في التمتع إلى قسمين: مكي، وغير مكي.

حاضر المسجد الحرام وغير حاضر المسجد الحرام، أما الذين هم من حاضري المسجد الحرام فللعلماء فيهم أوجه، وأقوى ما قيل في حاضري المسجد الحرام أن المراد بهم: أهل مساكن مكة أو من كان دون حدود الحرم، أو من كان دون مسافة القصر، فالمكي ومن كان داخل حدود حرم مكة فهو من حاضري المسجد الحرام.

وللعلماء قولان فيمن يجوز له أن يتمتع: قال جمهور العلماء: المكي وحاضر المسجد الحرام يتمتعون، وإن تمتعوا فلا دم عليهم، وعلى هذا فأهل مكة يجوز لهم أن يأتوا بالعمرة في شوال وما بعد شوال، ثم يحجون من عامهم فهم متمتعون، ويصيبون فضيلة التمتع ولا يلزمهم الدم.

وقال الحنفية رحمة الله عليهم: المكي ومن كان من حاضري المسجد الحرام لا يتمتع، وإن تمتع فعليه دم.

فلا يرون لأهل مكة أن يتمتعوا، وإن تمتعوا فعليهم الدم.

وسبب الخلاف الآية الكريمة في قوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:١٩٦].

فلما قال الله: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:١٩٦] اختلف في مرجع الإشارة: (ذلك)، فالجمهور يقولون: (ذلك) عائد إلى إيجاب الدم: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة:١٩٦] فأعادوه إلى أقرب مذكور؛ لأن الإشارة تعود إلى أقرب مذكور، فيكون قوله: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج) أول الآية منفصل عن آخرها، ويكون قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:١٩٦] المراد به: إيجاب الدم، فيقولون: يصح التمتع لعموم قوله: {فَمَنْ تَمَتَّعَ} [البقرة:١٩٦] ولا يجب الدم لقوله: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:١٩٦].

والحنفية يقولون: (ذلك) عائد إلى أول الآية، بدليل أنه اسم الإشارة (ذلك) للبعيد، فقالوا: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة:١٩٦] عائد إلى صدر الآية: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة:١٩٦] فالتمتع لمن لم يكن من حاضري المسجد الحرام.

قالوا: والدليل الثاني عندنا على هذا أنه قال: {ذَلِكَ لِمَنْ} [البقرة:١٩٦] فلو كان الدم -كما يقول الجمهور- لقال (ذلك على من لم يكن).

فدل على أن المراد مشروعية التمتع وليس وجوب الدم.

رد الجمهور بأن (ذلك) جاء اسم إشارة لصيغة البعيد لوجود الفصل: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة:١٩٦] فنظراً للفصل بالبدل عن الواجب جاء باسم (ذلك)، حتى لا يفهم منه أن هذا الإيجاب مختص بمن يكون على خلاف هذه الحال.

وأجابوا عن قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ} [البقرة:١٩٦] أن (اللام) تأتي بمعنى (على) كما قال تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء:٧] أي: فعليها، فيكون قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ} [البقرة:١٩٦] أي: ذلك الدم على من لم يكن من حاضري المسجد الحرام.

ومذهب الجمهور أقوى، وعليه: فإن أهل مكة يتمتعون، وإن تمتعوا فلا دم عليهم.

فالمتمتع إما أن يكون من حاضري المسجد الحرام، وإما أن يكون من غير حاضري المسجد الحرام، فيشمل الذين كانوا خارج حدود الحرم أو خارج مسافة القصر، فالآفاقيون الذين هم غير حاضري المسجد الحرام يشرع لهم التمتع بإجماع العلماء.

<<  <  ج:
ص:  >  >>