أما الدليل على أن الجماعة تقتل بالواحد: فقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:١٧٩]، ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة: أن الله أمرنا أن نقتص من القاتل، وكل واحد من هؤلاء العشرة، أو الخمسة، أو الثلاثة، أو الاثنان، كل واحد منهم قاتل؛ لأنه لو انفرد فعله لقتل، وقد أتى كل واحد منهم بفعل قاتل فهو قاتل؛ لأن النفس أزهقت بهذه الأفعال القاتلة، فهو قاتل.
وكذلك أيضاً عموم الأدلة التي دلت على أن من قُتل له مقتول فله الحق في الأخذ ممن قتله والقصاص، كقوله تعالى:{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا}[الإسراء:٣٣]، فجعل الله لوليه السلطان في أن يقتل من قتله، وكل واحد من هؤلاء قاتل.
الدليل الثالث: الأثر الصحيح عن عمر بن الخطاب، وقد ذكره الإمام البخاري تعليقاً، ووصله غيره، والسند صحيح عن هؤلاء الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أنهم قتلوا الجماعة بالواحد، وسنة الخلفاء الراشدين مأمور باتباعها.
الدليل الرابع: أننا لو قلنا: إن الجماعة لا تقتل بالواحد؛ لانفتح باب الشر والفساد والبلاء، فكل شخص يريد أن يقتل، يعلم أنه لو قتل سيقتل، فيطلب من شخص آخر أن يعينه على القتل؛ وحينئذ تسلم العصابات من القتل، ويسلم أهل البغي من القتل، ويذهب المقصود الشرعي من استتباب الأمن، وحفظ أنفس الناس، فما على أهل الفساد إلا أن يجتمعوا، ويتواطأ بعضهم مع بعض، فيقول أحدهم: أنا أريد أن أقتل فلاناً، فشاركني حتى أشاركك لتقتل فلاناً، وحينئذ تذهب الحكمة من شرعية القصاص، ويسترسل أهل الشر في دماء المسلمين، وقد قال الله عز وجل:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}[المائدة:٤٥]، فقوله:(النفس): جنس، فالنفس المقتولة بالنفس القاتلة جنس، سواء اتحدت أو تعددت.