[مشروعية الحضانة]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [باب الحضانة] الحضانة مصدر مأخوذ من قولهم: حضن الشيء يحضنه حضانة إذا ضمه إليه، والحضن الصدر مما دون الإبط إلى الكشح.
وسميت الحضانة بهذا الاسم لاشتمالها على ضم المحضون، وهو الشخص الذي يعجز عن القيام بأمور نفسه؛ لصغر أو جنون أو عتهٍ أو غير ذلك.
وباب الحضانة يتعلق بالقيام على حقوق الضعفاء من الصبيان والصغار والمجنون والمعتوه.
ومناسبة باب الحضانة لما قبله: أن المصنف رحمه الله بيّن حقوق النفقات، فناسب بعد ذلك أن يبين حقاً خاصاً للصغير والمجنون، وهو حق الحضانة.
وتقديم باب النفقات على باب الحضانة مبني على أن النفقات لا تختص بنوع معين من كل وجه، ولكنها أشمل وأعمّ من الحضانة، ولكن الحضانة يراها بعض العلماء خاصة بالصغير فلا تشمل الكبير كما عند المالكية، وإن كان جمهور العلماء رحمهم الله على أن الحضانة تشمل الصغير، وتشمل الشيخ الكبير والزمن ومن في حكمهم.
ونظراً لأن الحضانة تختص بنوع خاص، فالأنسب أن يبدأ بالحق العام قبل الحق الخاص، من باب التدرج من الأعلى إلى ما هو دونه.
والحضانة: هي القيام بأمور من لا يستقلّ بنفسه، وتربيته ودفع الضرر عنه أو ما يهلكه.
ولذلك تشتمل الحضانة على القيام بمصالح الصغار، ورعاية هذه المصالح بما يكون فيه الخير إذا كان المحضون صغيراً أو مجنوناً، أو للشيخ الكبير الزمن إذا تحمّل وليّه مصالحه وقام على رعايته.
والحضانة القيام بتحصيل المصالح من رعاية المحضون في نومه ويقظته، وبمتابعة أحواله، والإنفاق على تعليمه، وتأديبه وتقويمه، ودلالته على ما يصلح دينه ودنياه وآخرته، فالصبي والصغير سواء كان ذكراً أو أنثى يحتاج إلى من يرعى شئونه ويقوم بأموره، فيرعى شئونه مادياً ومعنوياً.
والحضانة تتكفل بذلك كله، والإسلام جعل هذه الحضانة إلى شخص مخصوص بشروط مخصوصة لابد من توفرها فيه، وجعل لهذه الحضانة أموراً ينبغي على الحاضن أن يقوم بها على وجهها، وجعل لها أمداً وغاية تنتهي عند بلوغها إليه، وكل هذا يبينه العلماء رحمهم الله في باب الحضانة.
يقول المصنف رحمه الله: (باب الحضانة) أي: في هذا الموضع سأذكر لك جملة من الأحكام والمسائل التي تتعلق بحضانة الصغير ومن في حكمه، ويشمل هذا ثلاثة جوانب: الجانب الأول: بيان من هو الشخص الحاضن؟ ومن هو الأولى والأحق بالحضانة؟ الجانب الثاني: بيان من الذي يحضن؟ وهو الشخص المحضون.
الجانب الثالث: بيان صفة الحضانة والمسائل والأحكام المتعلقة بها.