[مشروعية خيار العيب]
ذكر المصنف رحمه الله خيار العيب،
و
السؤال
ما هو الدليل على كون المسلم يستحق عند وجود العيب رد المبيع؟ الدليل على ذلك: كتاب الله، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإجماع أهل العلم.
أما كتاب الله: فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:٢٩] هذه الآية الكريمة وجه الدلالة منها في قوله: {لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء:٢٩] و (الباطل) أكل المال بدون وجه حق.
وعلى هذا: لو باعك السيارة كاملة بعشرة آلاف، وظهر بها عيب ينقص قيمتها إلى ثمانية آلاف، فمعناه أنه قد أخذ منك الألفين بدون وجه حق.
ولذلك يقولون: بيع المعيبات وسيلة لأكل أموال الناس بالباطل؛ لأنك تدفع القيمة كاملة في شيء كامل، والواقع أنه ناقص، فكأن ثمن المبيع على النقص يعتبر مأكولاً بالباطل، فهذا وجه الدلالة من الآية الكريمة.
وأما من السنة: فقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في حديث المصرّاة أنه قال صلى الله عليه وسلم: (لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد فهو بخير النظرين، إن شاء أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر) وهذا حديث عظيم، فقد فرع عليه العلماء رحمهم الله مسائل العيوب، وحاصله: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى فيه المسلم عن أن يصر الإبل والغنم، وفي حكمهما بقية الدواب.
ومعنى (تصرية الإبل والغنم): أنهم كانوا في القديم يأخذون الناقة، ويمتنعون من حلبها ثلاثة أيام أو يومين أو أربعة، فينتفخ اللبن في ضرعها، فإذا رآها رجل ظنها كثيرة اللبن، فاشتراها على أنها حلوب، ثم تبين أن حليبها ليس بالصفة التي اشتراها إذاً: فالتصرية أن يمتنع من حلب الشاة أو الناقة مدة حتى يكثر أو يعظم اللبن في ضرعها، قال صلى الله عليه وسلم لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها أي: من اشترى شاة أو ناقة مصراة (فهو بخير النظرين) أي: هو بين أمرين وإن شاء أمسكها، أي: إن رضيها وقال: رضيتها، والله عز وجل يعوضني في الآخرة، وسكت عن العيب، فهذا حقه، كما لو سامح المسلم المسلم في حقه، وإما أن يسخطها ويردها على صاحبها، فقال صلى الله عليه وسلم: (وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر) أي: رد الناقة أو الشاة ومعها صاع من تمر، جبراناً لذلك النقص الذي استفاده من حلبها في الأيام الماضية.
إذاً: حديث المصراة دليل على إثبات خيار العيب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فمن ابتاعها -أي: اشتراها- فهو بخير النظرين)، فقوله: هذا يدل على أن من اشترى شيئاً معيباً، أنه بخير النظرين إما أن يمسك وإما أن يرد.
وفي هذا الحديث دليل أيضاً على حرمة التدليس والغش؛ لأنه قال: (لا تصروا) والنهي للتحريم؛ لأن القاعدة: (أن النهي يحمل على ظاهره الموجب للتحريم، حتى يدل الدليل على خلاف ذلك).
وأما الإجماع: فقد أجمع العلماء رحمهم الله على إثبات خيار العيب من حيث الجملة، فكلهم متفقون على أنه إذا باعه شيئاً معيباً واشتراه المشتري دون أن يعلم بالعيب، أن من حقه أن يرد، على تفصيل سنذكره إن شاء الله، يختلف بحسب اختلاف مذاهب العلماء رحمهم الله.
وفي خيار العيب حكم عظيمة منها: دفع الضرر عن المسلم.
فقد شرع الله خيار العيب دفعاً للضرر عن المسلم، ولذلك أمر من اشترى المعيب أن يرده إذا لم يرد، أو يبقيه إن رضيه، وأذن الله عز وجل له أن يرد المعيب، وهذا يدل على مشروعية أخذ المسلم بحقه إذا تبين له أنه مظلوم، فقد قال عليه الصلاة والسلام وإن سخطها ردها، فمن حقك أن ترد المعيب لأنك ظُلمت، وقد اشتريت الكامل ولم تشتر الناقص، ودفعت ثمن الكامل ولم تدفع ثمن الناقص فقط، وكأنك حينما اشتريت الشيء على أنه كامل وتبين أنه ناقص فكأنك عقدت العقد الذي بينك وبين البائع على شيء غير هذا الشيء، وبناء عليه تستحق الرد.
وفي خيار العيب -أيضاً- قرع وتوبيخ لأهل الغش وصيانة لأسواق المسلمين من الكذابين والغشاشين، ولو أنه كلما ظهر عيب ردت المبيعات لعُرف الغشاشون، ولم يستطيعوا أن يتسلطوا على المسلمين، ولكن إذا لم يعط المسلم خيار العيب، فإن معنى ذلك أن يتسلط الغشاشون ولا يجدون من يردعهم عن غش المسلمين، فتصبح الأسواق مليئة بالغش والكذب، حتى لا يأمن الإنسان في تجارته وبيعه وشرائه.