للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم شم الطيب واستخدام الدهان المطيب للمحرم]

قال رحمه الله: [أو شم طيباً]: شم الطيب لا يجوز للمحرم؛ لأن الشرع لما نص على النهي عن مس الطيب، فهمنا من ذلك أن مقصود الشرع أن المحرم لا يترفه بالطيب، وهذا من باب التنبيه بالشيء على ما هو آخذ حكمه، فإن شم الطيب يترفه به الإنسان كما يترفه بوضعه، ألا ترى أن الشخص لو وضع الطيب في بدنه إنما قصد من ذلك أن يشمه ويشمه الغير، فاستوى في ذلك أن يكون موضوعاً أو يقصده بالشم.

أما لو وقع شمه للطيب بدون قصد، كما لو طيب المطاف ووجدت فيه رائحة الند والعود فشممت هذه الرائحة من غير قصد، فإن هذا لا يؤثر، وكما لو مر بجوارك متضمخ بعود أو ورد أو طيب فشممته وأنت محرم فإن هذا لا يضر؛ لأنه حصل اتفاقاً ولم يحصل قصداً، ويجوز الشيء اتفاقاً ولا يجوز قصداً، وعلى هذا فإنه يعتبر شمه للطيب من محظورات الإحرام ولا يجوز له، سواء كان الشم بوضعه على البدن أو بوضعه على شيء والدنو منه، أو الدنو من الزرع والرياحين ونحو ذلك، كل ذلك مما حظر على المحرم أن يفعله.

قال: [أو تبخر بعود أو نحوه فدى].

قوله: (أو تبخر بعود)، أي: استجمر بالعود، (أو نحوه) أي: من الأعشاب التي لها رائحة طيبة، فإنه حينئذٍ يلزمه أن يفتدي، وقوله: (فدى) عائد للجميع، يعني: جميع هذه الإخلالات بالطيب في البدن والطيب في الثوب، وهكذا شم الطيب والادهان به توجب الفدية.

فلو ادهن بشيء لا طيب فيه كزيت الزيتون أو ادهن بدهان شعر، فهل يجوز له ذلك؟ جمهور العلماء: على أن الادهان لا يجوز للمحرم.

وقال فقهاء الحنابلة رحمهم الله: يجوز للمحرم أن يدهن إذا لم يكن في الدهان طيب.

واستدل الذين قالوا بالمنع بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: (من الحاج؟ قال: الحاج التفث) قالوا: إن نصه عليه الصلاة والسلام على التفث، والمراد بذلك أن لا يدهن؛ لأن الإنسان إذا بقي على حالته كان أبلغ في تذلله لله سبحانه وتعالى في عبادته، وكأن مقصود الشرع أن يخرج الإنسان عن إلفه من الترفه، خاصة إذا كان غنياً أو ذا ثراء ونعمة، فيحس بنعمة الله عز وجل عليه، ويحس بفضل الله سبحانه وتعالى عليه.

فإذا أصبح يدهن ويتجمل كغيره فقد فات مقصود الشرع، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأهل مكة: (مالي أراكم تأتون مدهنين ويأتي الناس شعثاً غبراً، أهلوا لهلال ذي الحجة).

والمراد بهذه الكلمة: أن عمر رضي الله عنه نظر إلى الناس يوم التروية فرأى أن الآفاقيين يذهبون إلى منى وعرفات وهم شعث غبر، ولكن أهل مكة لحدثهم بالإحرام يأتون مدهنين فقال: أهلوا لذي الحجة.

قالوا: فدل على أن الصحابة فهموا أن مقصود الشرع أن يبقى الحاج على تفث وتفل في صورته حتى يكون أبلغ في تذلله لله سبحانه وتعالى.

والذي يظهر من جهة النص: أنه يجوز له أن يدهن، وليس هناك نص يمنع؛ لأن الحديث متكلم في إسناده، وضعفه غير واحد من الأئمة رحمهم الله وقالوا: إن هذا الحديث لا يثبت مرفوعاً، والأشبه أن يكون موقوفاً على عبد الله بن عمر رضي الله عنه وعن أبيه، وعلى هذا فإنه يجوز أن يدهن، ولكن الأفضل والأكمل أن يترك ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدهن.

<<  <  ج:
ص:  >  >>