[الشرط الأول: دخول الوقت]
قال المصنف رحمه الله: [شروطها قبلها، منها الوقت].
قوله: (شروطها قبلها) أي: قبل الصلاة، وقوله: (منها الوقت) (مِنْ) للتبعيض، والضمير في (منها) بمعنى: من شروط الصلاة، وهذا للتبعيض؛ لأن هناك شرط البلوغ والعقل لم يذكره المصنف، وترك لظهور العلم به؛ لأنه لا يقرأ قارئ ولا يبحث باحث في أبواب الفقه إلا وهو عالم أن أهلية التكليف تقوم على البلوغ والعقل.
فلذلك تَرْكُ المعلوم بداهةً مألوفٌ عند العلماء رحمة الله عليهم.
قوله: (منها الوقت) يقال: وقَّتَ الشيء يؤقته تأقيتاً.
إذا حدده، ويكون ذلك بالزمان، ويكون بالمكان، فيقال: (وقَّتَ له ساعة مجيئه) للزمان، و (وقت له مكان لقائه) للمكان.
فجاء التعبير بالتوقيت في الزمان في قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:١٠٣]، أي: بالزمان.
وجاء التأقيت بالمكان، ومنه حديث ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين: (وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة)، وهو ميقات المكان لنسك الحج.
والوقت معتبرٌ للصلاة، والأصل في هذا الشرط قول الحق تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء:١٠٣] أي: مؤقتاً ومحدداً بزمانٍ معين، وقد بينت السنة إجمال القرآن، وقد جمع الله تبارك وتعالى هذا التأقيت للصلاة في آيةٍ واحدة، وذلك في قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:٧٨]، فهذه الآية جمعت مواقيت الصلاة كما ذكر غير واحدٍ من المفسرين، وهذا من بلاغة القرآن وحسن اختصاره، فإن قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) أي لزوالها (إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) فشمل الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فيكون (غسق الليل) على أنه نصف الليل هو الأمد الذي هو آخر وقت العشاء الاختياري، ثم لما انفصل الفجر قال: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} فأغنى باسم الفجر عن ذكر وقته؛ لأن الفجر من الانفجار والوضوح، ونظراً إلى أن اسمه يدل على وقته؛ لأنه عند انفجار الضوء وانتشاره أغنى التعبير باسمه عن التصريح بوقته، فهذه خمسة فروض وخمسة مواقيت، وكلتا الآيتين أصل في باب المواقيت عند العلماء رحمة الله عليهم.
أما السنة فجاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم تصف وقت الصلاة، والأصل في هذا أن الله لما فرض على نبيه عليه الصلاة والسلام الصلوات الخمس اختار الله فريضتها أن تكون مباشرةً منه سبحانه وتعالى فوق السماوات العلا، ولذلك كان من دلائل فضل الصلاة وعظيم شأنها أن الله عز وجل لم يوح وجوبها إلى نبيه بواسطة، وإنما باشره بوجوبها والأمر بها تعظيماً لشأنها ودلالةً على عظيم مكانتها، فلما أوجب الله على نبيه الصلوات الخمس، وانتهى الأمر إلى الخمس، وكان يراجع ربه حتى استقرت إلى الخمس نزل عليه الصلاة والسلام، ولما أصبح صبيحة الإسراء وزالت الشمس لم يُفاجأ إلا بجبريل قد نزل عليه فأمَّه عند الكعبة، ولذلك كانت بداية المواقيت بحديث جبريل بمكة.
فالأصل في السنة هذا الحديث، وهو أول المواقيت السنية، ولذلك يعتبره العلماء رحمة الله عليهم أصلاً، إلا ما دل الدليل على نسخه، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
فأَمَّ جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة يومين، صلَّى به اليوم الأول كل صلاةٍ عند أول وقتها، وصلى به اليوم الثاني كل صلاة في آخر وقتها، ثم قال له: (ما بين هذين وقت)، فحدَّد مواقيت الصلاة وبينها.
ثم جاءت السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وبقوله، فتارةً بالفعل يُبيِّن المواقيت، وتارةً بالقول يدل عليها صلوات الله وسلامه عليه.
فشرط الوقت لا يُحكم بلزوم الصلاة على المكلف إلا بدخوله، فلا يطالب الرجل ولا المرأة بالصلاة إلا بعد دخول الوقت، ويتفرع على ذلك أنه إذا مات قبل دخول الوقت ولو بلحظة فهو غير آثمٍ ولا ملزمٍ بها، وكذلك لو جُنَّ أو حاضت المرأة قبل دخول الوقت ولو بلحظة فإنها لا تُطَالَب بها.
فلا يتوجه الخطاب بالصلاة إلا بعد وجود هذه العلامة، فلما كان الوقت له هذه المنزلة وهي أنه لا يتوجه الخطاب من الشرع للمكلف أن يفعل العبادة إلا بعد وجود هذه العلامة.
قيل: إنه شرط من هذا الوجه.