قال رحمه الله:[فإن بنى أو غرس فللشفيع تملكه بقيمته وقلعه ويغرم نقصه، ولربه أخذه بلا ضرر] قوله: (فإن بنى أو غرس فللشفيع تملكه) هذه المسألة حقيقة فيها إشكال عند العلماء رحمهم الله، يبيع شريكك نصيبه ولا تعلم أنه باع، ويشتري أجنبي هذا النصيب، فيقوم ببنائه أو يقوم بالغرس فيه، فحينئذٍ يرد
السؤال
إذا جئت تشفع ما حكم هذا البناء والغرس؟ أنت تستحق الأرض أرضاً بيضاء، ولكن المشتري تصرف في الأرض فزاد فيها بالبناء أو زاد فيها بالعمران، فإن تصرف المشتري ينقسم إلى قسمين: إما أن يتصرف بشيء لا يدوم في الأرض، وإما أن يتصرف بشيء يدوم ويبقى في الأرض، فالذي لا يدوم في الأرض مثلاً كأن يتصرف بشيء مؤقت، مثل ما ذكرنا في غلة الزرع، أو يضع بيوتاً جاهزة، فهذه لا تدوم بل يمكن أن ترفع وتنقل وليس فيها إشكال، لكن المشكلة أن يتصرف بالدوام مثل البناء، أو الغرس، أو حفر الآبار، وقد ذكرنا أنواع الاستحداثات في كتاب الغصب، وبينا أن العروق منها ما هو ظاهر ومنها ما هو باطن، فاثنان ظاهران وهما: البناء والغرس، واثنان باطنان وهما: الآبار والعيون، إذا ثبت هذا فإذا تصرف المشتري فيما اشتراه وهو نصيب شريكك قبل أن تشفع، فحينئذٍ يرد السؤال: هل من حقك أن تجبره على رفع جميع ما أحدث، أم تُجبر أنت على شراء ما أحدث ويجُبر هو على بيعه، أو تصطلحان؟ فلو قلنا: إنه يرفع ما أحدث، الفترة التي مضت واستفاد من الأرض فيها بغرس أو نحوه هل لك الأجرة فيها أو لا؟ كلها مسائل تحتاج إلى نظر، من أهل العلم رحمهم الله من قال: إن المشتري إذا تصرف في الأرض قبل أن تشفع فإن تصرفه لاغٍ، ولذلك من حقك إجباره على قلع الغرس وهدم البناء، وهذا هو مذهب الشافعية ومن وافقهم، وفي الحقيقة أنه أقوى المذاهب والأقوال، ولهم في ذلك مسلك فقهي دقيق، حاصله أنهم يرون أن المشتري لما اشترى من صاحبك وشريكك، كان المنبغي أن لا يتصرف حتى يستأذنك؛ لأن الشريك مع شريكه في مثل هذا لا يتصرف باستحداث أرض، فإذا كنت شريكاً مع شخص، وجاء يريد أن يبني أو يريد أن يغرس، ليس من حقه أن يبني ولا يغرس حتى يستأذنك؛ لأن كل جزء من الأرض مشترك بينكما، فليس من حقه أن يبني فيه حتى يستأذنك، ولذلك يقولون: يسقط استحقاقه في هذا التصرف، ويكون تصرفه في غير موضعه، فيتحمل مسئولية ما بنى وغرس، وفي الحقيقة هذا القول من حيث الأصول قول صحيح وهو الأشبه إن شاء الله بالرجحان والاعتبار، وبناءً على ذلك يسقط حقه، ويطالب برفع غرسه وإزالة بنائه.
إذا أردت أن تشتري منه البناء، أو تشتري منه الغرس فلك ذلك، وإذا أردت أن تشتريه واصطلحتما على ذلك فهذا لا إشكال فيه أما من حيث الأصل فليس من حقه أن يبني ويستحدث فيما هو ملك مشترك بينكما إلا بإذنك.
قال:[وقلعه ويغرم نقصه] يقولون: له الحق أن يطالب فيه، فإذا قلعه يغرم النقص، وهذا يثبت أن الشريك لما تصرف يثبت له اليد، وهذا القول لا يخلو من نظر، وهذا هو الذي اختاره المصنف رحمه الله أنه يضمن له النقص، وإذا قلع المشتري الغرس والبناء يُضمن نقص الأرض، لما دخل على الشريك من الضرر، كما سبق بيانه في كتاب الغصب، إذا بنى الغاصب واستحدث في الأرض المغصوبة؛ لأن تصرف الشريك هنا على غير وجهه.
قال:[ولربه أخذه بلا ضرر](ولربه أخذه) يعني: أخذ ذلك النصيب (بلا ضرر) كما لو كانت قيمته نازلة وكان السوق كاسداً، ففيه مضرة على المشتري إذا طالبه ببيعه، لكن نحن بينا في هذه المسألة أن المشتري لا يستحق التصرف فيها، ثم إذا أراد الشفيع أن يشفع وأن يشتري ذلك يشتريه بحقه أو يصطلحا.