للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الشرط الثاني: حضور عدد معين]

يقول المصنف عليه رحمة الله: [الثاني: حضور أربعين من أهل وجوبها].

يشترط لصحة صلاة الجمعة وجود عدد معين إذا وجد حكم باعتبارها، وإذا نقص هذا العدد فإنه عند من يقول باشتراطه لا يحكم بصحتها وانعقادها جمعة، وإنما يلزم هؤلاء الذين لم يكتمل عددهم بالنصاب المعتبر أن يصلوا ظهراً.

وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء رحمة الله عليهم: فقال بعض السلف: الجمعة تصح بواحد مع الإمام.

وبه يقول أبو ثور والطبري رحمهما الله تعالى.

وقال آخرون: تصح باثنين.

وبه يقول بعض أصحاب الإمام أبي حنيفة رحمهم الله تعالى.

وقال آخرون: تنعقد بثلاثة مع الإمام.

وهو مذهب الإمام أبي حنيفة، واختاره جمع من المحققين.

وقال بعضهم: إن وجود الثلاثين يغني، وهو قول بعض أصحاب الإمام مالك، ويروى عنه أيضاً.

وقال بعضهم: أربعون، فإن نقصوا عن الأربعين بواحد فإنه لا تصح جمعتهم ولا يعتد بها، وهو مذهب الشافعية والحنابلة.

وهناك قول باعتبار اثني عشر رجلاً.

وهناك أقوال أخرى، وأوصلها بعض العلماء إلى خمسة عشر قولاً في المسألة.

وهذه الأقوال هي أشهر أقوال أهل العلم رحمهم الله، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم نص صحيح يصرح بأن هناك عدداً معيناً إذا نقص لا يحكم بالاعتداد بالجمعة، وهذا هو الذي دعا العلماء رحمهم الله إلى أن يختلفوا.

فمن قال باشتراط الأربعين فإنما بنى ذلك على حديث أسعد بن زرارة رضي الله عنه، فإن كعب بن مالك -كما روى عنه ابنه عبد الرحمن، وثبت في الصحيح- كان إذا أذن المؤذن يوم الجمعة ترحم على أسعد بن زرارة، فذكر له عبد الرحمن ذلك، فقال: إنه أول من جمَّع بنا في هزم المبيت في نقيع الخضمات.

ونقيع الخضمات يقع في حرة بني بياضة، وقد جاء مصرحاً به في سنن الدارقطني في حديث حسنه غير واحد من أهل العلم، وهذا الموضع تقريباً في جنوب غرب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الموضع الذي أقيمت فيه أول جمعة في المدينة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للصحابة وجمَّعوا فيها، فلما سئلوا: كم كنتم يومئذ؟ قالوا: أربعين رجلاً.

فدل هذا على أن الأربعين هي العدد المعتبر عند من يقول باشتراط الأربعين، وعلى هذا نص المصنف على أن العدد المعتبر لصحة الجمعة هو الأربعون.

والذين يقولون بأنها تصح بثلاثة احتجوا بحديث السنن، وفيه: (ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان)، وهذا المذهب هو أقوى هذه المذاهب، وذلك أن الجمعة صلاة، وتسمى صلاة بإجماع العلماء، وتوصف بهذا الوصف الشرعي، فدل هذا على أن الثلاثة تنعقد بهم الجمعة، كما يقول الإمام أبو حنيفة رحمه الله، واختاره جمع من المحققين من الأئمة، وعلى هذا فإنه لو اجتمع ثلاثة من غير الإمام صحّت جمعتهم وأجزأت.

ولكن لو قلنا باشتراط الأربعين فاجتمع تسعة وثلاثون فإن الجمعة لا تنعقد، ويلزمهم أن يصلوها ظهراً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>