[حكم من أكل من وجه حرام بذريعة الاضطرار]
السؤال
بعض الناس إذا اضطر واحتاج مد يده إلى ما حرم الله، فما نصيحتكم؟ وبماذا يتصبر من ابتلي بالدين أو الفقر؟
الجواب
اشتمل هذا السؤال على جانبين: الجانب الأول: اعتداء حدود الله، وغشيان محارمه، بأكل المال الذي حرمه على المسلم.
وأما الجانب الثاني: فهو الدَّين الذي لا شك ولا مرية في عظيم بلائه إذا ابتُلي به العبد، فهو هم الليل وذل النهار، نسأل الله العظيم أن يعيذنا منه.
فأما بالنسبة للمسلم فعليه أن يعلم أن الحلال أكثر من الحرام، وأنه ما من عبد يستغني بحلال الله إلا أغناه، وما من عبد يستغني بالله إلا كفاه، فانْعَم وطِبْ نفساً بما أحل الله لك، وإياك إياك والحرام! فإن الحرام كثيره قليل، وعظيمه حقير، وجليله يسير.
فعليك أن تعلم أن الحرام عواقبه وخيمة، فإن أضحك يوماً أبكى أياماً، والحرام يقود إلى الآثام، فكم من لقمة حرام قذفها العبد في جوفه، سلط الله شؤمَها وبلاءها على لسانه وجوارحه وأركانه! فمن أكل مال اليتامى فلربما ختم الله على قلبه، فأصبح قاسي القلب يتهاوى في الدركات والسيئات حتى يأخذه الله أخذ عزيز مقتدر، ومن استغنى بالحرام وأصبح يطلبه آناء الليل وآناء النهار استزله الشيطان وأخذه إلى ما هو أعظم وأشد حتى لا يبالي الله به في أي أودية الدنيا هلك.
واعتبر! فإن السعيد من وُعِظ بغيره.
فكم من أقوام جمعوا أموالهم من الحرام فتمتعوا وضحكوا ولَهُوا وأصابوا لذة عاجلة، فساءت خواتمهم وساءت عواقبهم وما ماتوا إلا وقد رأوا بأم أعينهم ما تتقرح العيون برؤيته! وكم من رجل جمع الحرام وجمع المال من حله ومن حرمته، ولم يبالِ بما يُدخِله على أهله وولده، فأصبحت آثار الآثام وطُعمة الحرام تظهر في أهله وولده يوماً فيوماً وشيئاً فشيئاً حتى تمرد عليه أبناؤه، وتمردت عليه أزواجه، وأصبحوا أعداءً له، حتى آذَوه في المال الذي جمعه من أجلهم! وكم تسمع من القصص ومن الأحداث ما فيه عبرة لكل معتبر! فإن الله تعالى يقول: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم:٤٢]، فالله سبحانه وتعالى ليس بغافل، وإنما يملي للظالم.
فالواجب على المسلم أن يستغني بالله، وثِقْ ثقةً تامة أنك إن استغنيت بالله جلَّ جلالُه فإن الله يسد فقرك، ويقضي دينك.
فما من عبد نزلت به حاجة، فأنزلها بالله عزَّ وجلَّ، ووجه وجهه للحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، ووجه قلبه للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً يدعوه ويرجوه، إلا فتح الله له أبواب الفرج من حيث لا يحتسب: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:٤]، ومن يتقِ الله يجعل له من كل هم فرجاً ويجعل له من كل ضيق مخرجاً.
فإياك إياك! أن تسوء ظنونُك بالله إلى درجة تعتدي فيها على حدود الله ومحارمه، ولكن استغنِ بالله يغنك، وقل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك، قد وعدك الله إن دعوته صادقاً من قلبك، أن يفتح لك أبواب الفرج وأن ييسر لك.
وأما الأمر الثاني: وهو أمر الدَّين، فالواجب على المسلم ألَّا يحمل نفسه فوق طاقته، وألَّا يريق ماء وجهه فيحملها من الديون ما لا تحتمل، ولا ينبغي له أن يغرر بأموال الناس، ومن أخذ الديون من الناس والله يعلم من قلبه أنه يريد سدادها وأنه مهتم بقضائها، يسر الله له السداد، ولو دهمه الأجل ونزل به الموت قبل أن يسددها قال بعض العلماء: فإن الله يتحمل عنه الحقوق في الآخرة، وفسروا ذلك في قوله عليه الصلاة والسلام: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله).
فالواجب على المسلم أن يتقي الدين ما أمكنه، ولذلك استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من غلبة الدين، ومن قهر الرجال، وإذا أراد المسلم أن يجتنب الدين، فعليه أن يتدبر في أمره، وأن ينظر في حاله، وأن يرضى بالقليل، فمن رضي بالقليل جعل الله قليله كثيراً، فلا قليل مع البركة، ولا كثير إذا نزعت منه البركة.
اللهم بارك لنا في أموالنا، وبارك لنا في أمورنا وأحوالنا، وزدنا من بركاتك ورحماتك وخيراتك يا أرحم الراحمين! اللهم لا تحجب عنا عظيم فضلك وإحسانك بسوء ما يكون منا.
{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:٢٣].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وآله وصحبه.