لو قال المستحلف للحالف: احلف أن نساءك طوالق لو كان لي شيء عندك، فهل في ذلك خدشٌ في الإيمان إذا لم يرض المستحلف من الحالف أن يحلف بالله لو ألجأه إلى الطلاق أثابكم الله؟
الجواب
ذكرنا أنه ينبغي أن لا يحرج المسلم أخاه المسلم، إلا إذا كان الرجل كذاباً جريئاً على حدود الله وأنت محتاج إلى المال، ومتضرر بظلمه لك فأحببت أن تحرجه، أو كذب عليك في أمر عظيم، أو إنسان والعياذ بالله منتهك لحدود الله عز وجل، وجاء في قضية انتهك فيها حدود الله، وجاء يعبث مع رجلٍ صالح أو عالم أو صابر فأحب أن يردعه، فقال له: علق الأمر على طلاق زوجاتك، فربما يحلف الأيمان المغلظة والعياذ بالله ولا يبالي، لكن لو قال له: طلق نساءك يكون الأمر عنده أشد، فإن أحب أن يردعه ويزجره فهذه مقاصد معتبرة وهو مأجور إذا قصد إصلاحه، وقصد إحقاق الحق وإبطال الباطل، ولا بأس بذلك، لكن لا ينبغي أن يكون ذلك ديدن الإنسان، ولا ينبغي للزوج أن يدمر بيته ويشتت أهله، ويفرق جمعه بمثل هذه الأمور التافهة، ويقول له: أهلي عندي أكرم من أن أطلقهم على هذا الشيء، فينبغي أن يستشعر نعمة الله عليه بالزوجة، وإكرام الضيف لا يتم بطلاق الزوجات، وإحقاق الحقوق وإبطال الباطل لا يكون بمثل هذه الأمور، بل لها وسائل شرعية معروفة علينا أن نلتزم بها، وهذا الوارد في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا حلف اليمين نحن نصدقه، من حلف لنا بالله نصدقه على الظاهر، وفي الحديث قال:(يا رسول الله! الرجل فاجر ولا يبالي -يعني يحلف اليمين ولا يبالي- فقال صلى الله عليه وسلم: ليس لك إلا يمينه) فنحن نقبل ما قبل الله لنا، ومن حلف اليمين قبلنا منه، فإن فر من خصومه في الدنيا، وفر من جبار الأرض، فلن يفر من جبار السماوات والأرض، ولن يستطيع أن يفر من خصومه يوم القيامة إذا أُخِذ من حسناته أو أُخِذ من سيئات صاحبه والعياذ بالله فوضعت على ظهره، وحمل أثقالها بين يدي الله عز وجل، وعذب بها في عذاب الله عز وجل، نسأل الله السلامة والعافية.
فعلى كل حال لا ينبغي التساهل في مثل هذه الأمور وينبغي على الأئمة والخطباء توجيه الناس؛ لأن الناس يحتاجون إلى توجيه، وينبغي لكل إمام مسجد أن لا يمر عليه أسبوع إلا وله جلسة إمامية يذكر الناس بمثل هذه الأمور التي تقع في معاملاتهم، لما فيها من عظيم الأجر والثواب، فكم من بيوتٍ هدمت، وأسر شتتت، بسبب جهل الأزواج والزوجات بالحقوق الواجبة عليهم؛ لأن الناس لا يعلم بعضهم بعضاً، ولا يرشد بعضهم بعضاً، فهذه الأمور التي تقع من الطلاقات المعلقة سببها الجهل، فتأتي في أمور تافهة يعلق عليها الطلاق، فلو وجه الناس أن البيوت أمانة، وأن الزوجة أمانة، وأن الأولاد أمانة، وأنه حرامٌ على الإنسان أن يدمر أهله وبيته ويفرق جمعه، فمن الذي يرضى أن يدخل الضرر على أولاده وأقرب الناس إليه وأهله وحبه وزوجه، فينسى فضلهم عليه حتى يقول هذه الكلمة التي تكون سبباً في طلاق زوجته وذهاب أسرته؟ فهذه أمور كلها تحتاج إلى توجيه، فإذا لم يحصل التوجيه، والتعليم للناس عظمت الغفلة، ولا تذهب الغفلة إلا بالتذكير، وبتعاهد الأئمة والناصحون بارك الله في علومهم وبارك الله في نصائحهم وتوجيهاتهم، ولذلك العالم والشيخ والإمام إذا وجدت له جلسة في الأسبوع أو جلسة كل يوم بعد صلاة العصر يوجه فيها كلمة قصيرة للناس فيما يحتاجونه بعلم وبصيرة، تجد هذا الحي مباركاً فيه، قليل المشاكل، كثير العلم، كثير الفائدة، كثير النفع، والموفق من وفقه الله.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعصمنا من الزلل، وأن يوفقنا في القول والعمل، والله تعالى أعلم.