قال المصنف رحمه الله:[وإن قتل المأمور المكلف عالماً بتحريم القتل فالضمان عليه دون الآمر].
قوله:(وإن قتل المأمور المكلف عالماً) أي: حال كونه عالماً بحرمة قتل من يقتله؛ فإنه في هذه الحالة يكون القصاص على المأمور وحده.
إذاً: هناك القصاص على الآمر، وهنا القصاص على المأمور، ومن هنا ندرك فائدة ترتيب المصنف لهذه المسائل بعد مسألة الإكراه، فالإكراه يقتص منهما معاً، وإن حصل الخلل في المأمور اقتص من الآمر وحده، فإن كان المأمور لا خلل فيه ويعلم أنه أمر بالظلم، وأنه أمر بقتل معصوم، فأقدم على القتل، فالقصاص على المأمور دون الآمر.
فأصبحت الصور ثلاثاً: يقتص من الآمر والمأمور في حالة الإكراه، إذا كان كلٌ منهما قد استوفى شروط القصاص والقود.
ويقتص من الآمر دون المأمور إذا كان المأمور به عذر، مثل أن يكون غير مكلف، أو يكون جاهلاً بحرمة القتل في الإسلام مثل حديث العهد بالإسلام، أو جاهلاً جهلاً معيناً؛ كأن يكون الشخص الذي أمر بقتله مظلوماً، وظن أنه يقتل بالحق، فحينئذٍ في هذه الثلاث الصور يقتص من الآمر دون المأمور؛ لأن في المأمور عذراً يمنع القصاص منه.
والصورة الأخيرة: إذا كان المأمور مكلفاً عالماً غير معذور، فإنه في هذه الحالة يُقتص من المأمور دون الآمر، إلا في مسألة الصبي، فقد ذكرنا أن بعض العلماء قال: في مسألة الصبي يقتص من الآمر دون المأمور، لكن في الصورة الثالثة -وهي التي يقتص فيها من المأمور دون الآمر- قالوا: لأن المأمور أقدم على القتل بدون إكراه وبدون ضغط، ففي هذه الحالة يُقتص منه؛ لعلمه بحرمة دم المقتول، وعلمه بحرمة القتل، فليس فيه عذر يمنع من القصاص منه.
ولو قال قائل: إنه أمر، فنقول: إنه أمر على وجهٍ لم يكن الأمر فيه سبباً مؤثراً -أي قوي التأثير - في الإزهاق، فليس هو مثل الإكراه، حيث إن أمر الإكراه سبب قوي التأثير في الإزهاق، لكن هنا الأمر ليس بسببٍ مؤثر في الإزهاق، إلا فيما استثنيناه في مسألة الوالي إذا أكره أو ضغط، فحينئذٍ تنتقل المسألة إلى مسألة المكرِه والمكرَه، فيقتص منهما، ويجب القصاص والقود عليهما.