إذا كان المشتري يجهل أوصاف السلعة فنبذ البائع على المشتري هذه السلعة دون أن يطلبها أو ينظر إليها.
فهل هذه الصورة جائزة؟
الجواب
إذا نبذ الشيء المبيع ومن يشتريه يعرف صفاته؛ فإنه يصح شراؤه؛ لأن المحرم بيع المجهول، والجهالة نوعٌ من الغرر، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم:(أنه نهى عن بيع الغرر)، فكل بيعٍ لمجهولٍ في صفته، أو قدره، أو وجوده، أو سلامته، أو بقائه لا يصح.
المجهول في قدره: كبيع الحصاة، يقول له: أبيعك ما انتهت إليه الحصاة، فهذا مجهول القدر، أو تقول: أبيعك هذه الدار بدنانير، فالدنانير مجهول قدرها، وكذا لا يصح مجهول الصفة كأن تقول: أبيعك سيارةً بعشرة آلاف، فلا يصح حتى تبين نوع السيارة وصفاتها، أو تقول: أبيعك بيتاً بمائة ألف، فلا يصح حتى تبين صفة البيت ومكانه بما يندفع به الغرر.
أما المجهول في الوجود -هل هو موجود أو غير موجود- كأن يبيع ما في بطن الشاة أو ما في بطن الناقة كما في الصحيحين من حديث ابن عمر:(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حبل الحبلة)، فإننا لا ندري هل هذا الذي في بطنها نفخ أو جنين، ثم هو مجهول السلامة فلا ندري هل هو حي أو ميت، وهو مجهول الصفة -أيضاً- لأنه بعد خروجه من بطن أمه لا ندري أهو كامل الخلقة أو ناقص الخلقة، فكل هذه البيوعات حرمها الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، لمكان الغرر وجهالة؛ ولذلك حرم النبي صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين من حديث ابن عمر وأنس بن مالك رضي الله عن الجميع-: (بيع الثمر قبل بدو صلاحه)، لأنه مجهول السلامة.
وقال -كما في الصحيح من حديث أنس - (أرأيت: لو منع الله الثمرة على أخيك فبم تستحل أكل ماله)، فالثمرة قبل بدو صلاحها معرضة للتلف، ولكن إذا بدا صلاحها فالغالب السلامة كما تقدم معنا في كتاب البيوع، فهذا النوع من البيوعات حرمه الله ورسوله لمكان الغرر، فإذا قال له: أبيعك سيارةً، وهو يعلم سيارته ويعرفها، وليس عنده سيارة غير هذه السيارة التي يعرفها بصفاتها جاز، أو يقول: أبيعك مزرعتي وهو يعرف مزرعته، أو أبيعك عمارتي وليس عنده إلا هذه العمارة، ولم يصفها له وكان المشتري على علم بها، جاز، وبناءً على ذلك فيصح البيع بشرط: أن لا تكون السلعة قد اختلف حالها بعد العلم، فإن اختلف شيءٌ من حالها بعد العلم كان له الخيار، وعلى كل حال: فمعوّل القضية ومدارها يدور حول زوال الجهالة والغرر، فإن كان يعلم فقد زال الغرر من جهة الجهالة ويصح البيع، والله تعالى أعلم.