[وجوب صوم رمضان برؤية هلاله]
قوله: [يجب صوم رمضان برؤية هلاله]: هذا الوجوب الذي نبه عليه المصنف على سبيل الفرضية هو الذي يثاب فاعله ويعاقب تاركه، وإذا ترك شخص صيام رمضان عامداً متعمداً فأفطر -ولو يوماً واحداً- لم يقضه ولو صام الدهر.
بمعنى: أن الله لا يعطيه ثواب ذلك اليوم ولو صام الدهر كاملاً، لكن يجب عليه قضاء ذلك اليوم؛ لأن الله عز وجل فرض علينا صيام الشهر كاملاً، ولا يسقط هذا الشهر إلا بدليل، وأما حديث: (من أفطر يوماً من رمضان لم يقضه صيام الدهر) فقد خرج مخرج الوعيد، وهو المخرج الذي يسمى بالمبالغة، وله نظائر، كقوله عليه الصلاة والسلام: (الحج عرفة) فليس المراد به التحديد والقصر.
بمعنى أن الحج فقط في عرفة وحدها، إنما هو على سبيل المبالغة وقوله عليه الصلاة والسلام: (لم يقضه صيام الدهر) معناه: أن من أفطر عامداً متعمداً لا ينال فضل صيام ذلك اليوم مهما صام، بخلاف من أفطر لعذر؛ فإنه إذا صام يوماً بدلاً عن هذا اليوم الذي أفطر فيه فكأنه صام رمضان نفسه؛ وهذا لوجود العذر، فإذا كان بدون عذر فإن الله لا يبلغه مرتبة من كان معذوراً.
أما إسقاط الفرض عنه فإنه قول ضعيف ومخالف للأصل، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن لنا أن الحقوق واجبة، وأن حقوق الله دين على المكلف، كما في الحديث الصحيح أنه قال: (فدين الله أحق أن يقضى) فهذا نص صحيح صريح على أن العبد إذا أخل بواجب فإن عليه ديناً يجب أن يقضيه، وأن يقوم به على وجهه، ولما كان الحديث محتملاً بقينا على الأصل من وجوب مطالبته بصيام رمضان.
وقوله: (رمضان) اختلف العلماء فيه، فقال بعض العلماء: هو مأخوذ من الرمضاء، والمراد بذلك شدة الحر، والسبب في هذا: أن العرب كانت تسمي هذا الشهر في الجاهلية نائقاً يقولون: شهر نائق، وهو الشهر التاسع من الأشهر القمرية، ثم لما فرض الله صيام رمضان وافقت السنة الثانية سنة حر وشدة، فسموه رمضان من هذا.
القول الثاني: أنه سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب، وفي ذلك حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب) بمعنى: يحرقها ويذهبها، ولكنه حديث ضعيف، بل فيه راوٍ كذاب، ولذلك لا يعول عليه.
القول الثالث: إن اسم رمضان اسم من أسماء الله عز وجل، وفيه حديث ضعيف.
وأصح هذه الأقوال القول الأول: أنه سمي رمضان من الرمضاء وهي شدة الحر؛ حيث إنه حينما فرضه الله على عباده وافق زماناً شديد الحر.
وفي قوله رحمه الله: [يجب صوم رمضان]: للعلماء قولان: قال بعض العلماء: لا يجوز أن تقول: دخل رمضان وخرج رمضان وانتصف رمضان، واستدلوا بالحديث الذي تقدمت الإشارة إليه: (لا تقولوا: جاء رمضان، فإنه اسم من أسماء الله) وهذا حديث ضعيف.
والصحيح أنه يجوز أن يقول: جاء رمضان ومضى رمضان وانتصف رمضان؛ لأن السُّنة دلت على جواز ذلك، وقد ترجم له الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه، والدليل على جواز ذلك: قوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة في الصحيح: (إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة).
وفي الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)، وفي الصحيح قوله أيضاً: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) فلأجل هذا دلت النصوص على جواز قولك: جاء رمضان، وخرج رمضان، وانتصف رمضان، ولا حرج عليك في ذلك، ولكن بعض العلماء يقول: الأفضل أن يقول: شهر رمضان.
فيضيف لفظ الشهر؛ لأن الله سبحانه وتعالى نص على ذلك فقال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:١٨٥] فقالوا: الأفضل أن يضيف كلمة الشهر، وهذا على سبيل الكمال والاستحباب لا على سبيل الحتم والإيجاب.