[المخارجة بين السيد وعبيده]
قال رحمه الله: [وإن اتفقا على المخارجة جاز].
إن اتفق السيد مع مولاه على المخارجة، وهي: مفاعلة من الخرج والخراج، وهو النسبة التي يحددها السيد لمولاه أن يأتي بها في اليوم أو الشهر، يقول له: اذهب وتكسب، وكل يوم أحضر عشرة دراهم، أو في كل يوم ديناراً، أو يقول له: كل شهر تدفع ثلاثة دراهم.
فهذا يسمى الخراج، إن اتفق السيد مع عبده على المخارجة، ويكون عند المولى مهنة كالنجارة والحدادة، فيقول له: اذهب وتكسب واشتغل ثم أعطني كل شهر ثلاثة دنانير، أو يقول: أعطني كل يوم درهماً.
فهذا خراج.
والأصل في ذلك: أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنه حجمه أبو طيبة رضي الله عنه وأرضاه، وكان أبو طيبة مولى من الموالي، فلما حجمه رضي الله عنه أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم أجرته وأمر مواليه أن يخففوا عنه في خراجه، فدل على أن الخراج بشروط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم أن يخففوا؛ فلم يحرم عليهم التكسب من طريق المولى والرقيق.
وكذلك إذا كانت أمةً تخدم في البيوت وتعطي خراجها، يقدر لها خراجاً، ويجب على السيد أن يتقي الله عز وجل في الرقيق، وأن لا يحمله خراجاً فوق طاقته، أو يحمله الخراج وهو صغير، انظروا كيف يصيحون في حقوق الأطفال من العمل، هذا هو ما نادى به الإسلام قبل ألف وأربعمائة سنة، وكان أئمة الإسلام يقولون: لا يحمل أطفال الموالي لا يطالب بالكسب حتى يبلغ أشده ويقوى على التكسب.
ومن هنا قال بعض الصحابة رضوان الله عليهم، كما هو مأثور عن عثمان بن عفان وهو أمير المؤمنين والخليفة الراشد، قال: (لا تأمروا الصبي بالكسب فيسرق) لأنه إذا لم يجد الكسب يضطر إلى السرقة فعقله ناقص قاصر؛ إذ ليس عنده عقل يمنعه، فإذا حمله سيده وهو صغير ولم يجد الكسب اضطر إلى السرقة أعاذنا الله وإياكم.
ثم قال: (ولا تحملوا الأمة ما لا تطيق فتزني)، وفي رواية: (فتكسب بفرجها) والعياذ بالله، انظروا عظمة أئمة هذا الإسلام رحمهم الله برحمته الواسعة، كل هذا الخير مستقى من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم هنا النزاهة في بيان الحقوق وتصوير الواجبات؛ فلا يطالب الصبي بالخراج، ولا تطالب به المرأة إذا لم يكن لها مكان تعمل فيه وخُشي عليها أن تعمل في الحرام.
والأصل في الخراج -كما ذكرنا- السنة، وكذلك إجماع الصحابة؛ فإن عمر رضي الله عنه في قصة أبي لؤلؤة المجوسي -لعنه الله- لما اشتكى إلى عمر اشتكى من مولاه المغيرة -كما في الأثر الصحيح- أنه يطالبه بخراج كثير، فلما عرض ذلك على عمر، دل على أنه كان معروفاً بين الصحابة رضوان الله عليهم المخارجة، فبين المصنف رحمه الله: أن يجوز أن يضرب السيد على مولاه خراجاً ذكراً كان أو أنثى على أن يعطي أجرةً يومية أو شهرية.
إذا قال له: تكسب وأعطني ثلاثة دراهم؛ فما زاد ملكٌ للعبد ينتفع به ويرتفق، وهذا بين السيد وعبده، لا يدخل في هذا مثلاً العامل مع كفيله؛ لأنه ليس ملكاً له، فلينتبه لهذا؛ لأن السببية في الاستحقاق من الشرع، وأما ما عداه فإنه باق على أصل الحرية لا يملك عرض المسلم وتعبه وكده إلا باستحقاق شرعي.
إذا ثبت هذا؛ فإنه يضرب له الخراج إن اتفقا، ونفهم من هذا أنه ليس من حق السيد أن يجبر مولاه على التكسب، فلو قال له: يجب عليك أن تحضر كل يوم درهماً لا يكون إلا باتفاق الطرفين، وهذا اختيار بعض العلماء رحمهم الله.