[حكم بيع الحلال والحرام وبيع ما يملك وما لا يملك صفقة واحدة]
قال رحمه الله:[وإن باع عبده وعبد غيره بغير إذنه، أو عبداً وحراً، أو خلاً وخمراً، صفقةً واحدةً: صحَّ في عبده وفي الخلِّ بقسطه].
(وإن باع عبده وعبد غيره بغير إذنه).
نلاحظ هنا دقة العلماء في الترتيب، ففي الصور الأولى يكون الاشتراك في نفس الشيء، أي: نفس العبد رقبة واحدة، ونشترك فيه، نصفه لك ونصفه لي، رقبة البقرة أو الشاة أو الناقة أو السيارة -كما هو موجود في زماننا- أو الأرض نصفها لك ونصفها لي، فالمبيع واحد؛ لكن هنا في هذا المثال المبيع يشتمل على شيئين: سيارتك وسيارة غيرك عبدك وعبد غيرك ناقتك وناقة غيرك، فحينئذٍ أصبح ليس من الشيوع، أي: ليس في الرقبة الواحدة؛ وإنما جعل الثمن على رقبتين، إحداهما ملكٌ له والثانية ليست ملكاً له، وضابط المسألة -كما قلنا- حلال وحرام، فقال: باع عبده وعبد غيره، باع خلاً وخمراً، والخل يجوز شربه مع أن أصله من الخمر، والخمر إذا تخللت وصارت خلاً جاز أن يشرب الخل وأن ينتفع به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال -كما في الصحيح-: (نعم الإدام الخل)، فالخلّ حلال لكن الخمر حرام، فالعلماء يذكرون هذا المثال (باع خلاً وخمراً)، فالخلّ يجوز بيعه والخمر لا يجوز بيعها، قال صلى الله عليه وسلم:(إن الله ورسوله حرم بيع الميتة والخمر)، وقال صلى الله عليه وسلم في الخمر:(إن الذي حرم شربه حرم بيعه)، فلو باعه خلاً وخمراً فحينئذٍ تكون الصفقة جامعة بين الحلال وبين الحرام لا على سبيل الشيوع، لكن كلّ منهما منفصل عن الآخر، فنقدّر قيمة الخل ونقدر قيمة الخمر، ونقول: صحّ في الخل وحرم في الخمر، فلو كان -مثلاً- قسط الخمر النصف، فاشترى الخمر والخل معاً بألف ريال؛ وصفقة الخلّ تساوي خمسمائة ريال، فنقول: صح في الخل بخمسمائة وألغي في الخمسمائة الباقية التي هي قيمة للخمر؛ لأن الله حرم عينها، فلا يجوز بيعها ولا شراؤها.
قال:[أو عبداً وحراً].
كذلك العبد والحر، فلا إشكال في المثال، فالمهم أن تحفظ القاعدة: أن يجمع له بين عينين إحداهما حلال والثانية حرام، أو من جهة التصرف: إحداهما يملك التصرف فيها والثانية لا يملك التصرف فيها، فمثال الأولى التي هي حرام العين وحلال العين:(خلّ وخمر، خنزير وبرّ)، فإن الخنزير حرام والبرّ حلال، ولو باعه عسلاً ومخدراً فالمخدر حرام والعسل حلال، وقس على هذا، وأمّا بالنسبة للملكية فمثالها أن يبيع عبده وعبد غيره، وفي عصرنا الحاضر سيارته وسيارة غيره أرضه وأرض غيره، وقس على هذا.
قال:[صفقة واحدةً صحَّ في عبده، وفي الخلِّ بقسطه].
صح البيع في عبده، وصحّ في الخلّ بقسطه، وإن كان قسطه نصف القيمة صحّ بخمسمائة إذا كانت القيمة ألفاً، وكذلك أيضاً بالنسبة لبيعه لعبده وعبد غيره صحّ في عبده ولم يصحّ في عبد غيره.
قال:[ولمشترٍ الخيار إن جهل الحال].
(ولمشترٍ الخيار) الخيار: مأخوذ من قولهم خَيَّرَهُ، إذا جعل له النظر بخيري الأمرين، والمراد من هذا: أنه إذا باعه على هذا الوجه حراماً وحلالاً، ولم يعلم أنه محرم كأن يقول له: أبيعك هذا العبد وهذا العبد، وكان لا يملك العبد الثاني، والمشتري يظن أنه يملك العبدين، نقول له: أنت بالخيار، إن شئت أمضيت البيع وأمضيت الصفقة، وإن شئت ألغيت الصفقة فيهما، فالخيار له في ذلك، لماذا؟ لأنه ربما اشترى عبده لمكان العبد الثاني.
توضيح ذلك: الآن لو أن رجلاً جاء إلى رجل وقال له: أبيعك هذه السيارة -وسيارته رديئة- مع هذه السيارة بعشرة آلاف، فالمشتري قد يكون رغب في السيارة الجيدة وجعل السيارة الرديئة محمولة لوجود الجيدة، فلو جئنا نقول: صحّ في سيارته وبطل في سيارة غيره معنى ذلك أن المشتري سيتضرر، وهذا هو السبب الذي جعل المصنف يقول:(ولمشترٍ الخيار) أي: أن قولنا: يصحّ في قسطه وفي حقه، يُرد إلى خيار المشتري، ونقول لك: إن شئت أن تصحح العقد صححته في القسط الحلال فيما يملك، أمّا لو قلت: لا أريد، فإما أن آخذهما الاثنين أو أتركهما الاثنين فمن حقك وهذا يقع من المشتري، أنه يشتري الصفقتين من أجل أنه يحمل وكس هذه بكمال هذه والنقص في هذه بالجمال في هذه، فكأنه اشترى الاثنين معاً من أجل أن إحدى الصفقتين تحمل الأخرى، فإذا جئت تقول للمشتري: صحّ في قسطه فمعنى ذلك أنك تضر بالمشتري وتلزمه بشيء لا يريده، فهو يريد الصفقة كلها، فاحتياطاً للحقوق قال المصنف رحمه الله:(ولمشترٍ الخيار) أي: أننا حينما حكمنا بصحة العقد فإننا نجعل للمشتري الحق أن يمضي البيع أو يفسخه، وهذا من العدل؛ لأنه اشترى الاثنين معاً، فإن كان يريدهما معاً ولا يريد أحدهما دون الآخر كان من حقه ذلك، وليس من حقنا أن نلزمه بجزء مبيع أراده كله؛ لأنه اشترى الكل، ولم يشتر البعض، فهذا هو وجه إعطاء الخيار له، فنقول: إن شئت أمضيت الصفقة في حظ من باعك، وإن شئت اعتذرت عن البيع، فهذا من حقك، ولا تُلزم بذلك.