يعني: بالجنازة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(أسرعوا بالجنازة) وهو حديث تكلم العلماء في سنده، وفيه مسائل: الأولى: أن قوله: (أسرعوا بالجنازة) فيه دليل على أن السنة أن يكون المشي بها رملاً وإسراعاً، وهذا هو الأفضل، وقد جاء حديث آخر صحيح يدل على أن الصحابة كانوا يرملون بالجنائز، وهذا أفضل من المشي.
وفيه دليل على خطأ بعض العامة الذين ينكرون على الناس إذا أسرعوا بالجنازة.
وفيه أنه يرمل بها تحصيلاً لفضيلة ما ذكرناه من التأسي وإصابة السنة.
والمسالة الثانية: أن السنة ألا تبقى الجنازة وأن يبادر بها، ولذلك لا تؤخر إلا لأمر ضروري، أو وجود ما يدل على استثناء شرعي يجيز لنا أن نؤخر الجنازة، وإلا فالأصل أن يبادر بها، ولا يجوز للأهل أن يؤخروا الجنازة إلا لوجود عذرٍ شرعي؛ لأنه أُمِر بالإسراع بها.
فقوله:(أسرعوا بالجنازة) يشمل الإسراع في تغسيله، بمعنى أن نهيئ تغسيله في أقرب وقت، وليس المراد أن نعجل أثناء التغسيل؛ لأنه ربما إذا عجل أثناء التغسيل أضاع حقوقاً واجبة، وإنما المراد أن يسرع بالتغسيل.
ويشمل الإسراع في تكفينه، فلا يتركه بعد تغسيله ممدداً في الفناء، بل يعاجل بتكفينه، ثم يسرع في حمله ثم الصلاة عليه، ثم يسرع في دفنه، فهذا معنى الإسراع بالجنازة.
والمراد بالإسراع في الحديث إسراع المشي؛ لأنه هو السنة، ولأن الجنازة إذا كانت صالحة تقول: قدموني، قدموني.
وهذا ثابتٌ في الصحيح، فكأننا إذا أسرعنا بالجنازة حققنا مقصود الشرع، وأرفقنا بالميت إن كان صالحاً.
وإذا كان حديث:(أسرعوا بالجنازة) ضعيفاً، فإننا نقول: إن حديث الصحيحين (قدموني، قدموني) يدل على مشروعية الإسراع بالجنازة؛ لأنه يحقق مقصود الشرع من التعجيل بها، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى إلا لشرف تقديم المسلم من الأحياء على قبره والعجلة في ذلك.