للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إذا اشترك اثنان في قتل وسقط القصاص عن أحدهما]

قال رحمه الله: [وإن اشترك فيه اثنان لا يجب القود على أحدهما منفرداً لأبوة أو غيرها فالقود على الشريك].

من باب ترتيب الأفكار: فقد ذكر رحمه الله مسألة إذا اشترك اثنان، فعرفنا متى يقتص من الاثنين معاً، ومتى يقتص من الآمر دون المأمور، ومتى يكون القصاص بالصورة العكسية، والسؤال الآن: لو أنه اشترك اثنان، أحدهما يجب القصاص عليه، والثاني لا يجب القصاص عليه، وقال أولياء المقتول: لا نريد القصاص، بل نريد الدية، وكنا قد ذكرنا أنه إذا اشترك اثنان يجب القصاص على أحدهما دون الآخر، فيقتص من الذي يجب القصاص منه، فلو عفا أولياء المقتول عن الدم فهل تجب الدية عليهما، أو تجب على الذي يجب عليه القصاص؟ بين المصنف رحمه الله أنها تجب عليهما، وبناءً على ذلك يكون عليه نصف الدية، فقال رحمه الله: (وإن اشترك فيه اثنان لا يجب القود على أحدهما منفرداً لأبوة أو غيرها فالقود على الشريك).

فقوله: (فالقود على الشريك) إذا اشترك اثنان لا يجب القصاص على أحدهما، كما لو اشترك -والعياذ بالله- مع شخصٍ أجنبي وقال له: أريد أن أقتل ولدي هذا، فساعدني على قتله، فاشترك الاثنان، وقتل هذا الولد، وحصل الزهوق بفعلهما بالشروط المعتبرة في اشتراك الجماعة، ففي هذه الحالة الأب لا يجب عليه القصاص، كما سيأتي إن شاء الله وسنذكر دليل ذلك، والأجنبي يجب عليه القصاص؛ لأن الأب سقط عنه القود لمعنى يخصه، وهذا المعنى لا يؤثر في السببية؛ لأن الإزهاق والقتل حصل بفعل الاثنين، وكان أحدهما عنده عذر يخصه لم يسرِ العذر إلى غيره، والقصاص في الأصل واجب على الاثنين، فإذا تعلق الإسقاط وتعلقت الرخصة بأحدهما لم تسرِ إلى الآخر وهو الأجنبي، فيجب القصاص على الأجنبي دون الوالد، هذا أصل المسألة.

قال رحمه الله: [فإن عدل إلى طلب المال لزمه نصف الدية].

أي: إذا عفا الأولياء فإن الأجنبي يدفع نصف الدية؛ لأن الدية مشطرة بينهما.

إذاً: المصنف رحمه الله بين حكم اشتراك الجماعة في قتل الواحد اشتراكاً على وجهٍ لو انفرد كل واحدٍ منهم لقتله، فكلٌ منهم قاتل، ويجب القصاص على الجميع، وإن عفي لزمتهم دية واحدة، وانتقل بعد ذلك للاشتراك بالسببية في مسألة الإكراه ومسألة الأمر بالقتل، وفصل رحمه الله في هذا، ثم شرع في مسألة اشتراك من يعذر ومن لا يعذر، فبين أن سقوط القصاص والقود عمن يعذر لا يوجب سقوطه عمن لا يعذر؛ لأنه لو انفرد فعل كل واحد منهما لأوجب الزهوق، وبناءً على ذلك فكلٌ منهما قاتل، فإذا عفي عن أحدهما أو أسقطت الشريعة القصاص عن أحدهما لمعنى لا يوجد في الآخر؛ فإن الرخص لا يُتجاوز بها محالها.

وهذا أصل في الشريعة: أن الشيء الذي يكون معذوراً يختص العذر به ولا يتجاوزه لغيره ممن لا يوجد فيه هذا العذر، وإلا ضاعت أحكام الشريعة، فهذا الأجنبي مع هذا الوالد قاتل، وإذا سقط القصاص عن الوالد لمكان الأبوة لم يسقط عن الأجنبي، وكذلك لو مات أحد الشركاء في القتل قبل أن يُقتص منهم، فإنه يقتص من الباقين، فلو أن ثلاثة قتلوا زيداً من الناس، فمات أحد الثلاثة قبل القصاص، وقال أولياء المقتول: نريد القصاص؛ فإنه يقتص من الاثنين الباقين، وموت أحدهم لا يسقط كون البقية قتلة.

ومن هنا إذا كان الخلل مرتبطاً بسببية القتل، ويوجب التأثير فيها، فحينئذٍ يكون مؤثراً، أما هنا فإنه ليس من هذا الباب، ولذلك لا يوجب إسقاط القصاص عن الأجنبي، فيقتص من الأجنبي ويترك الوالد ولا يقتص منه؛ لأن القصاص لا يجب في حقه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>