للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأقوال في صيام يوم عاشوراء والراجح منها]

قال رحمه الله: [وآكده العاشر ثم التاسع] أي: وآكد صيام شهر الله المحرم أن يصوم اليوم العاشر، وهو يوم عاشوراء، وهو اليوم الذي نجى الله فيه موسى من فرعون، كما ثبت في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجد اليهود تصوم يوم عاشوراء، فسأل عن ذلك؟ فقالوا: إنه يوم نجى الله فيه موسى من فرعون، فقال صلى الله عليه وسلم: نحن أولى بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه).

وللعلماء في عاشوراء قولان: منهم من يقول: إن يوم عاشوراء كان فريضة في أول الأمر ثم نُسخ برمضان.

ومنهم من يقول: لم يكن فريضة وإنما كان سنة ولم يجب.

والصحيح أنه كان فريضة ثم نسخت فرضيته برمضان وأصبح مستحباً.

والدليل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة قال: (هذا يوم كتب الله عليكم صيامه، فمن أصبح منكم صائماً فليتم صومه، ومن أصبح منكم مفطراً فليمسك بقية يومه) فهذا حديث صريح في الدلالة على أنه كان فريضة.

وهذا في السنة الأولى من الهجرة، وفي السنة الثانية نزلت فرضية شهر رمضان فنسخت فرضية صيام عاشوراء، وبقي صوم يوم عاشوراء على الندب والاستحباب لا على الحتم والإيجاب، وصيام عاشوراء من شكر الله عز وجل على نعمته، فصامه عليه الصلاة والسلام شكراً لله عز وجل؛ لأن الله عز وجل دمغ فيه الباطل ونصر فيه الحق، وأظهر فيه أولياءه وكبت فيه أعداءه، فهو شكر لله عز وجل على عظيم نعمته وجزيل منته.

والمسلم يفرح بما يصيب إخوانه المسلمون من الخير والنعمة، وتصيبه الغبطة بذلك، وهذا يدل على أن الأنبياء كانوا كالأمة الواحدة، وأن فرحه عليه الصلاة والسلام إنما هو تبع لفرح نبي الله وكَليِمه موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام.

ثم لما صام عاشوراء بعد ذلك قال عليه الصلاة والسلام: (لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع) أي: لأصومن التاسع مع العاشر؛ لأن الأصل بقاء العاشر، ولم ينص على رفع العاشر فقال: (لأصومن التاسع) بلفظ محتمل أن يصوم التاسع وحده أو يصوم التاسع والعاشر، فبقي ما كان على ما كان.

فلما كانت النصوص تنص على العاشر، وتبين فضيلته وأن صومه يكفّر السنة الماضية كما جاء الخبر بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم بقي العاشر كما هو، فصار قوله: (لأصومن التاسع) أي: لأصومن التاسع مع العاشر مخالفة لليهود.

وذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان في أول الأمر يحب موافقة أهل الكتاب خاصة حينما كان بمكة؛ لأن أهل الكتاب كانوا أهل دين سماوي، وكان المشركون على الوثنية، فكان يحب موافقة أهل الكتاب لإغاظة أهل الشرك والوثنية.

فلما انتقل إلى المدينة كان اليهود يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويزعمون أنه يأخذ من دينهم، فأصبحت الموافقة هنا محظورة، وقصد عليه الصلاة والسلام مخالفتهم، ومن ذلك قوله: (لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع) أي: لأصومن التاسع والعاشر مخالفة لليهود.

<<  <  ج:
ص:  >  >>