[حكم أكل ما له ناب من السباع]
قال رحمه الله: [وما له ناب يفترس به]: الناب: هو السن الذي يلي الرباعيات ويفترس به؛ وهنا وصفان: أن يكون له ناب، وأن يفترس؛ أي: أن يكون من العاديات، وهذا لا يكون إلا في السباع.
والأصل في تحريمه قوله صلى الله عليه وسلم: (كل ذي ناب من السباع حرام) والحديث في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره.
فهذا أصل عند جمهور العلماء في تحريم أكل السباع العادية؛ كالأسد، والنمر، وكل ما له ناب، يعدو به على الناس، ولذلك لا يحل أكل لحمه.
وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله أن العلة في هذا التحريم: أن السباع العادية فيها قوة، وفيها كلَب، وفيها نفس خبيثة في الاعتداء، وإلحاق الضرر بالغير، واللحم يؤثر في الطبائع، ولـ ابن خلدون كلام تاريخي على مسألة النباتية والحيوانية، يعني أكل النباتات والحيوانات، وتأثير ذلك على الطباع.
فالسباع العادية إذا أكل لحمها تأثر الإنسان بطباعها الخبيثة من العدو والكلب، ولذلك نهي عنه، ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم: (السكينة عند رعاة الغنم من مضر) لأن طبيعة الغنم السكينة؛ ولذلك بين أن السكينة في رعيها وأكل لحمها، ثم قال: (والجفاء عند رعاة الإبل من ربيعة) فهذا يدل على أن أكل لحم الإبل يؤثر في الطبائع، ويؤثر في نفسية الإنسان، ومن هنا قال الإمام ابن القيم: إن السباع العادية فيها نفس خبيثة، وفيها كلب وعدوان، فأكل لحمها يؤثر في طبع الإنسان، ولهذا حرمت.
واختلف العلماء في مسألة كل ذي ناب من السباع: الجمهور على التحريم، والمالكية عندهم رواية بالجواز، واحتجوا بقوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} [الأنعام:١٤٥]، قالوا: إن آية الأنعام لم تذكر السباع.
ونقول لهم: إن قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ}.
دل على عموم التحريم، وحديث: (كل ذي ناب من السباع) دل على خصوص التحريم في السباع العادية، فلا تعارض بين هذا وهذا، حيث جاءت السنة بالزيادة، والسنة تزيد على القرآن، وهذا هو الذي عليه العمل عند جماهير السلف والخلف والأئمة.
قوله: [غير الضبع]: الضبع: اختلف فيه على قولين: قيل: إنه لا يجوز أكله، كما يقول المالكية والحنفية.
وقيل: بجواز أكله، كما هو مذهب الشافعية والحنابلة.
والذين قالوا بالجواز أسعد بالدليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحل الضبع، فقد سأل عبد الرحمن بن عبد الله بن عمارة التابعي جابر بن عبد الله صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: (الضبع صيد؟ قال: نعم، قال: آكله؟ قال: نعم، قال: أقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم).
وهذا الحديث صححه الإمام البخاري، وابن خزيمة، وابن حبان، والإمام الترمذي، والعمل عند العلماء-من ذكرنا- على متنه، أنه يدل على جواز أكل لحم الضبع، وعلى هذا فقول من قال بتحريمه مرجوح.
[كالأسد، والنمر.
كالأسد، والنمر، والذئب، والفيل: هذا تمثيل للسباع العادية، فالأسد: يقتل، ويعدو بنابه، وله كلَب، وفيه وجهان: أولاً: الأسد، والنمر من السباع العادية، وهذا النص فيه واضح.
وثانياً: اغتذاؤها بالجيف، ومن هنا تكون خبيثة، فجمعت بين الأصلين؛ لذلك التحريم فيها أقوى.
[والذئب]: والذئب له ناب، ويعدو بنابه، ويقتل.
[والفيل]: فيه قولان للعلماء: الجمهور على تحريم أكل الفيل؛ وذلك لأمرين: أولاً: وجود الناب فيه، حتى قال الإمام أحمد: لم أر أعظم منه ناباً، وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم كل ذي ناب.
وهو يعدو؛ فإنه إذا آذاه الإنسان يفتك به، وإن كان فتكه ليس بالناب، لكنه يعدو عليه ويقتله، ففيه الكلَب.
الوجه الثاني: خبث الفيل، ومن هنا قالوا: إنه جمع بين الوصفين.
وهناك من يقول بجواز أكل لحم الفيل.
[والفهد، والكلب، والخنزير]: أما الكلب: فاختُلف في نجاسته وطهارته: فقيل: إنه نجس، وهذا هو الصحيح، وقد تقدم هذا في الطهارة وبينا الدليل على نجاسته، وبناءً على ذلك لا يجوز أكل لحم الكلب، ومما يدل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعله من الفواسق، وإن كان قد خص الكلب العقور، وقد أمر بقتل الكلاب صلوات الله وسلامه عليه، ولو كانت تؤكل لأمرهم أن يأكلوا لحمها، ولكنه عليه الصلاة والسلام أمر بقتلها، وهذا يدل على أنه لا يجوز أكل لحم الكلب.
الأمر الثاني: أن الكلب يغتذي بالجيف، ففيه استخباث لحمه، وقد جمع بين الوصفين لتحريمه.
قوله: (والخنزير) دل دليل الكتاب والإجماع على تحريم أكل لحم الخنزير، كما قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ} [المائدة:٣]، وهذا يدل على أنه لا يجوز أكل لحم الخنزير، ولا الإدهان بشحمه، ونحو ذلك من بقية أجزائه.
[وابن آوى، وابن عرس، والسنور] ابن آوى: فوق الثعلب، ودون الذئب، ويكثر صياحه لبني جنسه، وصوته أشبه بصوت الصبيان فيما ذكروا من ضوابطه، وهو مستخبث، وفيه خلاف، والجمهور على تحريم أكل لحمه.
(وابن عرس) كذلك مثله؛ لأن له ناباً، وكلباً.
(والسنور) القط: سواء كان برياً، أو أهلياً، فله كلب، وله عدو، خاصة المتوحش منه؛ وهو البري، ولو خلا بالإنسان فإنه يقتله، والقط البري المعروف، يقال: إنه من فصيلة النمور، وهو يغتذي بالجيف والأهلي يغتذي بالحشرات، فيستخبث لحمه، فهذه الأنواع كلها لا يجوز أكلها.