أحياناً يتعرض العمال لحوادث من جراء التعامل مع الآلات والمكائن، فيبعد العامل عن العمل فترة طويلة يخضع فيها للعلاج، فهل يجب على صاحب العمل أن يمضي له أجرته الشهرية حتى وهو مبعد عن العمل؟
الجواب
من ناحية شرعية ليس ملزماً، فالعامل إذا عمل وباشر العمل فهو متحمل لمسئولية نفسه، فإذا قطعت يده من المنشار فهو الذي باشر العمل، ولا يحصل القطع إلا بإهمال من نفسه، وحينئذٍ لا ضمان عليه؛ لأن رب العمل ليس هو الذي أمسك هذه الآلات ولا هو الذي حركها، ولا هو الذي باشر الضرر الذي فيها، فالعامل متحمل لمسئولية نفسه، وهو عاقل بالغ رشيد، عنده خبرة وعنده معرفة.
إذا بقي للعلاج ففضل من رب المال أنه يتولى نفقته ويتولى الإحسان إليه، لكن لا يجب عليه ذلك، إنما تجب عليه الأجرة إذا أعطاه عملاً وقدم له عملاً، هذا هو الأصل الشرعي، ولا يلزم رب المال أن يدفع أجرته حتى يشفى ويعافى، فإن هذا ما أنزل الله به من سلطان.
الشريعة عدل وقسط لا جور فيها ولا غلو، لا نأتي ونقول: حقوق العمال! ونغلو في هذا الباب، ولا نأتي ونقول: حقوق أرباب العمل، كما أن العمال لهم حقوق كذلك أرباب العمل لهم حقوق، ولذلك الشريعة لا تغلو.
تجد البعض يقول: أنا فقط مع الضعيف، فيأتي في حق الضعيف ويغلو على حساب حقوق الآخرين، وهذه هي المدنية الزائفة التي هجمت على الناس مناقضة لشريعة الله في كثير من المسائل، وعندما يأتون لحقوق المرأة فيصيحون: حقوق المرأة.
حتى تذهب حقوق الرجال، يا ليت للرجال أناس ينادون بحقوقهم! يعني: تضيع حقوق الرجال على حساب مسألة حقوق النساء، وهذا سبب الغلو في الطرف، فالضعيف في الشريعة ضعيف حتى يرد له حقه دون غلو، فإذا غلي في حقه صار الطرف الآخر هو الضعيف الذي يضيع حقه، فالشريعة لا تنظر إلى هذا الغلو، وإلى هذه النظرات الضيقة التي تخالف شرع الله عز وجل، والتي تبالغ في حق الشخص حتى يكون على حساب غيره، ولذلك أمرنا الله عز وجل أن نشهد شهادة الحق:{إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا}[النساء:١٣٥]، إن كان قوياً أو ضعيفاً فالله أولى بهما أيضاً، فبينت النصوص الواردة في كتاب الله عز وجل أنك إذا جئت تشهد لضعيف لا تشهد له بالباطل وتقول: والله خصمه غني أريد أن أشهد له، فالغني لا يضره لو دفع عشرة آلاف أو خمسة آلاف عوضاً.
فهذا لا تأذن به الشريعة، وليس من حقك أن تتدخل في غني أو فقير، ولا في قوي أو ضعيف، فالله هو الذي يحكم، أما أنت فملزم أن تؤدي شهادتك على وجهها، فنقول: العامل هو الذي قام بهذا العمل، وهو الذي فعل هذا الضرر، وترتب على عمله بيده ومحض إرادته هذا الضرر، فيتحمل مسئولية نفسه هذا الأصل الشرعي.
بعد هذا من الإحسان تكرماً من رب المال وتفضلا ًمنه، ومن باب حفظ العهد، وهؤلاء العمال فيهم ضعف، ومنهم من لا يجد حتى براتبه إلا قدر سداد الكفاية، فكون رب المال يريد أن يضع له راتباً مستمراً حتى يبارك الله له في ماله فجزاه الله كل خير، وأكثر الله من أمثاله وأعظم أجره، لكن أن يلزم ويفرض عليه ذلك فلا، هب أن فقيراً جاء بعامل من أجل أن يصلح له باباً أو يفعل له شيئاً، ثم انكسرت يده، فهل يظل الفقير يصرف عليه حتى يشفى؟ أبداً الشريعة ليس فيها هذا، الشريعة تقول: كل شخص يتحمل جناية نفسه، {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الأنعام:١٦٤]{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}[المدثر:٣٨]، فهو من ألحق الضرر بنفسه، إذ لو قام بعمله كما ينبغي وتحفظ لما حدث هذا الشيء، فلما أهمل وقصر حصل الضرر فهو يتحمل مسئولية نفسه، ولا يلزم رب المال بدفع الأجرة له، ولا بمعالجته، ولكن الأفضل والأكمل أن يفعل ذلك والله تعالى أعلم.