[الجمع بين قوله عليه الصلاة والسلام: (من قرأ آية الكرسي لم يقربه شيطان) وبين قوله: (إذا نام أحدكم عقد الشيطان على ناصيته)]
السؤال
كيف يتم الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ آية الكرسي لم يقربه شيطان) وبين قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا نام أحدكم عقد الشيطان على ناصيته ثلاثاً)؟
الجواب
أما من حيث قراءة آية الكرسي فينبغي أن يعلم أنه ما من مسلم يقرأ شيئاً في كتاب الله أو سنة النبي صلى الله عليه وسلم وكان فيه وعد بخير أو أمر إلا وجب عليه أن يسلم تسليماً، وأن يعتقد اعتقاداً جازماً أن ما ورد في هذا النص من الكتاب والسنة حق لا مرية فيه، وأن الله يعطيه ما وعده، فإن الله لا يخلف الميعاد.
إذا ثبت هذا فإن قراءة آية الكرسي إنما يكون تأثيرها الكامل وتأثيرها على أتم الوجوه وأكملها وحصول الموعود على أتم الوجوه وأكمله لمن قرأها بإيمان وخشوع وحضور قلب.
ومن هنا يتفاوت الناس في قوة التأثير على حسب قوة اليقين أثناء القراءة والاعتقاد، ولذلك تجد بعض القراء كما قال صلى الله عليه وسلم في الفاتحة: (وما يدريك أنها رقية) فرجل يقرؤها على مجنون فيشفى، ورجل يقرؤها على لديغ فيشفى، وقد يقرؤها قارئ مرات وكرات ولكنها لا تؤثر قراءته، أما المقروء فإنه مؤثر.
ولذلك يختلف الناس في قوة العقيدة وقوة الإيمان، وقد يأتي الرجل إلى الكرب العظيم والخطب الجسيم فيقول: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، ويدخل بيقين بالله ولا يمس بسوء لقوة يقينه.
(إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره) هذا الذي كمل يقينه وكملت عقيدته وإيمانه وتوحيده، فإذا كمل الإخلاص والتوحيد وأصبح القلب متوجهاً إلى الله بصدق، وإذا تلا الآيات تلاها بإيمان وإذا تليت عليه استجمع معاني الإيمان واليقين، فإن الله يجعل له أكمل الحظ وأكمل النصيب، فما أتي الناس إلا من ضعف اليقين.
أما من حيث الحديث (يعقد الشيطان على قافية أحدكم) فليس فيه معارضة للحديث لأنه يجاب من وجوه: أولاً: إما أن يقال لا تعارض بين عام وخاص، فيكون قوله: (لا يقربه شيطان) بمطلق الحال، ولا يمنع هذا خصوص الابتلاء في الثلاث العقد التي لا يسلم منها النائم.
وحينئذٍ من قرأ آية الكرسي فإنه لا يقربه شيطان بأذيته في نومه أو أذيته في ضجعته، فإن من نام يؤذى، ولذلك شرعت قراءة الأذكار قبل النوم.
وعلى هذا إذا قرأها حفظ، فكان المراد به: لا يقربه شيطان بالنسبة لغير المستثنى بالنص.
ثانياً: أن العقد على القافية ليس له علاقة بالقربان، فإنه يعقد عليه بدون وجود القربان؛ لأن اقتراب الشيء من الشيء ملاصقته، وقد يكون الاقتراب على وجه المداخلة، فالشيطان قد يداخل الإنسان.
وبناءً على ذلك يكون المنفي (لم يقربه شيطان) غير المثبت بالعقد؛ لأن العقد قد يكون من بعيد وقد يكون العقد كما ذكر بعض العلماء: العقد المعنوي، وإن كان الصحيح أنه العقد الحسي.
ولذلك من نام يشعر بهذا، يشعر أن الليل طويل، وأن هناك من يمنيه، فيكون من الوسوسة وحديث النفس.
والذي يظهر والله أعلم: الجواب الأول، أنه لا تعارض بين عام وخاص.
ولذلك الشيطان مسلط على الإنسان بالوسوسة وبحديث النفس، فلو أخذ قوله: (لم يقربه شيطان) على العموم مطلقاً لشمل حتى من يوسوس، ولكن الله تعالى جعل الإنسان مبتلىً بحديث الشيطان، وهذا لا يمنع ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلى كل حال: من قرأ آية الكرسي فهو محفوظ محفوظ، والله عز وجل حافظٌ له لا محالة.
وأذكر من مشايخنا -رحمة الله عليه- قال: من أهل العلم من ذكر أنه كان نائماً وأحس باثنين يتكلمان بجواره، وقال: سمعته يقول لصاحبه: لن تستطيعه، إنه تلا آية الكرسي قبل أن ينام.
وذات مرة ذكر بعض العلماء قال: سمعت اثنين يتحدثان عند رأسي وأنا في البيت لوحدي، أو في الغرفة لوحدي فسمعته يقول: لن تستطيع أن تدخل فيه، إنه قرأ المعوذات.
وهذه قد ثبت فيها النص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ المعوذات وينفث ثلاثاً كما في الصحيحين من حديث أم المؤمنين عائشة.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يعيذنا من نزغات الشياطين، وأن يرزقنا عفوه ومغفرته ولطفه وهو أرحم الراحمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.