وقوله رحمه الله:(باب الضمان)، الضمان يقوم على إضافة ذمّة إلى ذمة في دين أو عين، وهذا في المطالبة، والمراد بذلك أنه إذا تحمّل رجلٌ ديناً وقال صاحب الدين: ائتني بمن يكفلك، وأتيت وقلت: أنا كفيلٌ له، أو أنا ضمينٌ له، فمعناه أنك تضيف ذمَتك إلى ذمة المديون، وأنت تتحمل سداد الدين إذا لم يسدد المديون، ومن هنا أصبح باب الرهن وباب الضمان متقاربين من حيث المعنى، في كون كلٍ منهما تحفظ به الحقوق ويستوثق به في الديون، فكأن الكفيل يطمئن صاحب الدين، ويتحمل مع المديون وتنشغل ذمته مع ذمة المديون، ولذلك نجد العلماء يقولون: الكفالة ضم ذمةٍ إلى ذمة، فأنت تضيف ذمّتك إلى ذمة المديون، وتعطي صاحب الدين ثقة أنه إذا امتنع المديون من السداد؛ إما لعجزٍ أو لمماطلة أنك تقوم بالسداد عنه، هذا إذا كان الضمان في الدين.
وقد يكون الضمان في العين، فمثلاً: لو أن رجلاً قال لرجل: أعطني سيارتك، أريدها لمصلحةٍ معيّنة، أو أريد أن أذهب بها إلى موضع كذا، أو أريدها عارية إلى غد، أو بعد غد فقال صاحب السيارة: أعطني كفيلاً، فتقول: أنا أكفله بأن يرد لك السيارة، وأتحمل ذلك، هنا ضمنته في عين، فالكفالة تكون في ضمان الدين، وتكون في ضمان العين، وقد تتكفل بإحضار الشخص، كأن يقول صاحب الدين للشخص المديون: أعطني كفيلاً يكفل حضورك إذا حضر الأجل، فتقول: أنا أتكفّل بحضور فلان حال المطالبة، أو يوم المطالبة، وقد يكون الضمان بالحضور في الحقوق كالقصاص ونحو ذلك، كما كان يفعله وجهاء الناس، كأمراء القبائل، ومشايخ القبائل إذا وقع على أحد ضمان بحق، فيقول: أنا أتكفل بحضوره، فهذه كفالة.
فيقع الضمان في الأموال وغير الأموال، وتقع الكفالة في الأموال وغير الأموال، إلا أن فقهاء الحنابلة رحمهم الله جعلوا الضمان في الأموال خاصة، ولذلك لا يتكلم المصنف هنا إلا حول مسألة الضمان في الأموال، وتركوا باب الكفالة وجعلوها في ضمان الوجه، حينما تقول: في وجهي، أنا آتي به، أو أنا أتحمل إحضاره، ونحو ذلك، وجعلوها في باب الجنايات.
يقول رحمه الله [باب الضمان].
أي: في باب الضمان سأذكر لك جملة من المسائل والأحكام، التي تتعلق في ضم الذمم بعضها إلى بعض، عند المطالبة بالديون، بناءً على هذا إذا تكفّل رجلٌ أو ضمِن الكفيل المكفول، فمعناه أنه إذا حضر الأجل فمن حقك أن تطالب المديون، ومن حقك أن تطالب الكفيل، فأصبحت هناك ذمتان، ذمة المديون، وذمة من كفله، فأنت بالخيار، إن شئت أن تطالب المديون، فحينئذٍ تطالبه ولك الحق؛ لأنه أصيل، وإن شئت أن تطالب الكفيل، أو الضمين، فأنت بالخيار بين الأمرين، أو طالبتهما معاً.