للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أسباب استجابة الدعاء]

السؤال

ألححت في الدعاء يوم عرفة أن يرزقني الله علماً نافعاً وعملاً صالحاً، فما هي الأمور التي ينبغي أن أتعاطاها حتى أصيب هذا الفضل، أثابكم الله؟

الجواب

في هذا السؤال جوانب: الجانب الأول: من ألح على الله في الدعاء فحريٌ به ألا يقنط وألا ييئس، بل عليه أن يتخذ من كثرة الإلحاح ما يدعوه إلى الزيادة؛ لأن الله يحب من عبده الإلحاح وكثرة الدعاء، فهو الكريم الذي لا تنفد خزائنه، ويده سحاء الليل والنهار لا تغيضها نفقة سبحانه وتعالى، فالله يحب من عبده كثرة الإلحاح، ثم إن كثرة الإلحاح توحيدٌ لله عز وجل؛ لأنه إذا دعا المرة الأولى والمرة الثانية والمرة الثالثة، ثم ما زال يدعو، وما زال مؤمناً موقناً أن الله يسمع دعاءه، وأن الله أحكم وأعلم، وأن الله أعلم بحاله، فقد يكون من الحكمة من الله سبحانه وتعالى، فإنه يعلم أنه لو أعطاه العلم الآن فتن في دينه، فيؤخر عنه تلك العطية، فلذلك يرضى عن الله سبحانه وتعالى، وسعادة الدنيا وسرورها وبهجتها في الرضا عن الله سبحانه وتعالى، أي شيء تسأله الله عز وجل فيؤخره عنك، فارض عن ربك فهو أرحم بك من نفسك التي بين جنبيك، وأرحم بك من والديك، وأرحم بك من الناس جميعاً، فهو الحليم الرحيم، إذاً لا يقنط الإنسان ولا يسئ الظن بالله مهما ألح.

ثانياً: عليه أن ينظر إلى حاله بما يدعوه بحسن الظن بالله عز وجل، فمثلاً: المبتلى يبتلى بمرض أو يبتلى في دينه فيجد أنه لا زال على نفس المعصية أو لا زال على نفس البلاء في جسده، والله لو لم يدع لكان حاله أسوأ، ولكن الله عز وجل يلطف به بهذا الدعاء.

ثالثاً: أنه ما من عبدٍ يدعو الله عز وجل مخلصاً موقناً إلا أعطاه الله سؤله، أو صرف عنه من البلاء مثل ما دعاه، أو ادخرها له يوم القيامة.

فإذاً: قد يدعو الإنسان فيؤخر الله عز وجل عنه الإجابة، فلا يزال يكسب خيراً كثيراً، وما يدريك ما الذي سيعود على الإنسان الملح إن أكثر في سؤال الله عز وجل والله يؤخر عنه الإجابة، فكم من درجات تنتظره يوم القيامة لا يبلغها بكثرة صلاة ولا صيام، ادخرها الله له يوم القيامة، فإذاً يدعو الإنسان، قالوا: (نكثر يا رسول الله! قال: الله أكثر)، يعني أكثر كرماً وأكثر جوداً، {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:١٨٦]، فأكثر من الإلحاح واستمر في دعاء الله عز وجل، لكن إذا سألت الله فكن في سؤالك على بصيرة، من سأل الله العلم فليسأله العمل، ومن سأله العلم والعمل فليسأله الإخلاص، ومن سأله العلم والعمل والإخلاص، فليسأله القبول، وإذا رزق الله العبد العلم والعمل والإخلاص والقبول؛ احتاج إلى الثبات وحسن الخاتمة، فيسأل الله أن يثبت ذلك في صدره، وأن يثبته على الحق حتى يلقاه سبحانه وتعالى راضياً عنه، ثم بعد ذلك يسأله من خير المسائل مما يعين على هذه المنزلة الشريفة الكريمة؛ وهي حسن الخلق، فيسأل الله هذه المسائل الجامعة للخير؛ علمٌ وعمل وإخلاصٌ وقبول، وثباتٌ على الحق، في بر وحسن خلق، ومن رزقه ذلك فبخٍ بخ، أي تجارة رابحة وأي منزلة رابحة فاز بها من الله جل جلاله، أن يسأل الله هذه المسائل العظيمة وأن يكون على بصيرة.

كيف يسأل الله عز وجل، ذكروا عن الإمام أبي بكر بن العربي الفقيه المشهور المالكي في مسألة: (زمزم لما شرب له) يقول: إني شربته فسألت الله العلم فرزقنيه، فندمت أني لم أسأله مع العلم العمل، فانظر إلى فقه الدعاء؛ وهو أنه كان ينبغي أن يسأل مع العلم العمل.

وعالمٌ بعلمه لم يعملن معذبٌ من قبل عباد الوثن وتسأل الله البركة؛ لأنه في بعض الأحيان قد يكون الإنسان من أعلم الناس في زمانه، لكنه ممحوق البركة من علمه، وقد ترى الرجل حافظاً للسورة والسورتين من كتاب الله عز وجل، وضع الله له فيهما البركة بما لم يخطر لك على بال، فهو يردد هذه السورة على لسانه، فينال ملايين الحسنات، ثم إذا جلس لا يرى شخصاً لا يحفظها إلا حفظه إياها، فكم له من الأجور والحسنات والخيرات والبركات، وكم له من قوله عليه الصلاة والسلام: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) >فالمقصود: أن الإنسان يبحث عن الأمور المهمة في الدعاء، نسأل الله بعزته وجلاله أن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، وأن يجعل ما وهبنا من العلوم نافعاً شافعاً: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:٨٨ - ٨٩]، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>