وقوله رحمه الله:(في قبل أو دبر) تقدم معنا مسألة هل اللواط ووطء المرأة في الدبر ينزل منزلة القبل؟ فيها وجهان للعلماء رحمهم الله: فمن أهل العلم من اختار أن وطء المرأة في الدبر كالزنا بها إذا كان من غير الزوج، وهكذا إذا كان زوجاً فإنه قد أتى الحرام، وقالوا: إنه يعزر أشد التعزير.
ومنهم من قال: يقام عليه الحد.
ونسب لبعض العلماء الترخيص فيه، ولكنه مذهب شاذ لا يعول عليه ولا يعمل به؛ لأن الله تعالى يقول:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ}[البقرة:٢٢٣]، والحرث إنما هو في القبل دون الدبر، فوطؤها في الدبر كوطء الأجنبية، فهو وطء في غير المحل المعتبر شرعاً، وروى الترمذي حديثاً حسن بعض العلماء إسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم بريء ممن أتى امرأته في دبرها، وهذا وعيد شديد، وجماهير السلف والخلف رحمهم الله أن من كبائر الذنوب إتيان المرأة في الدبر، وللإمام ابن القيم كلام نفيس في هذا، وذكر أن المرأة حينئذ تسوء أمورها، وتفسد أخلاقها، فالرجل إذا أتى امرأته في دبرها أفسدها الله عليه، فذهب ماء وجهها، وأظلم قلبها، وكان سبباً في كثير من المفاسد والشرور، إضافة إلى ما فيه من الاعتداء لحدود الله عز وجل والانتهاك للمحارم، فإن الله يقول:{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}[البقرة:٢٢٣]، والمراد بإتيان الحرث مكان الوطء، فلو أنه قذف المرأة بأنها وطئت في الدبر، أو وطئت في القبل، فالحكم عند الحنابلة رحمهم الله واحد، فهو كالقذف بالزنا الصريح، فإذا خاطبها بذلك ثبت به القذف، وحينئذ إذا كان زوجاً فإنه يلاعنها.