إذا قال الرجل للرجل: هذه مائة ألف قرض لي عليك -فأعطاه المائة ألف، وفجأة طرأ عليه ظرف، فقال له: يا فلان، أعطني تسعين ألفاً الآن، وأسامحك في عشرة آلاف، فأعطاه التسعين فهذا يجوز، وهذا ليس داخل في مسألتنا، لأن هذه المسألة فيها نص وحديث فلا تدخل في باب الصلح، إنما دخلت في باب القروض والإرفاق.
وفيها حديث بني النضير حينما أجلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بني النضير من المدينة، جاءوا يخاطبون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم-: يا محمد! أموالنا عند أصحابك، يعني: نحن الآن سنرتحل، ولنا ديون على أصحابك، وأنت نبي ولا تظلم الناس حقوقهم فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(ضعوا وتعجّلوا).
أي: ضعوا بعض الدين وتعجّلوا، فهذا جُعل عند العلماء أصل في الإرفاق في الديون.
فلو أنه أسقط بعض الدين وأعطاه البعض، صح ذلك.
وبهذا أفتى حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، واختار هذا القول الإمام ابن قدامة رحمه الله وطائفة من المحققين فقالوا: إنه يجوز لصاحب الدين أن يأخذ من المديون بعض الدين ويسامحه في البعض، بأن يكون الدين مثلاً إلى شهر رمضان، فيقول له: أعطني الآن في رجب وأنا أسامحك عن باقي ديني، فإنه يجوز ذلك ولا بأس به، إلا إذا كان في التقسيط المركّب على الأجل، لأنه إذا كان في التقسيط المركب على الأجل تمحَّض أن الإسقاط لقاء الأجل، وهذا عين المحظور الربوي الذي ذكرناه في مسألة ربا الجاهلية.
و (ضع وتعجَّل) فيها المشروع وفيها الممنوع، وقد بيّنا هذا في باب القرض، وأياً ما كان فإنه إذا قال له ذلك على سبيل المصالحة والمعاوضة لم يصح، وإذا كان على سبيل الإرفاق إسقاطاً صح؛ لأن له أن يُسقِط الكل، فيجوز له أن يسقط البعض.