للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أنواع العقود]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فإن من أهم الأحكام التي تتعلق بالوقف بيان لزومه، وأن من صدر منه الوقف على وجه صحيح معتبر شرعاً فإنه ملزم بهذا الوقف، ولا يجوز له الرجوع عن هذا الوقف، ومن هنا شرع المصنف رحمه الله في هذا الفصل في بيان حكم عقد الوقف، وقد تقدم أن العلماء رحمهم الله يبحثون في العقود مسألة نوعية العقد، فهناك عقود إذا صدرت من المكلف فإنه يُلزم بها شرعاً، وليس له الخيار في الرجوع إلا إذا رضي الطرف الثاني.

من أمثلة ذلك: البيع والإجارة، فإذا باع شيئاً وتم البيع على الوجه المعتبر، فليس من حق البائع أن يرجع، ولا من حق المشتري أن يرجع إلا إذا تراضى الطرفان، واتفقا على الرجوع برضاً منهما.

هذا النوع يوصف باللزوم، فحقيقة العقد اللازم عند العلماء: هو العقد الذي لا يملك فيه أحد الطرفين الرجوع عنه إلا برضا الطرف الثاني، وهناك نوعٌ من العقود جائز، ويمكن لكل واحدٍ من الطرفين أن يرجع ولو لم يرض الطرف الآخر، فلو نظرنا إلى بعض العقود التي سامحت فيها الشريعة كالهبة والعطية؛ فإنها ليست بلازمة ما لم تُقبض، فلو قال له: وهبتك سيارتي، فقال: قَبِلت، فهذا يُسمَّى عند العلماء عقد هبة، لكن إذا لم يعطه السيارة ولم يستلمها فله الحق في الرجوع، وسنبيِّن هذه المسألة إن شاء الله.

وفي الصدقة إذا قال: تصدقت عليك بمائة دينار، أو مائة ريال، أو بألف، وقال الآخر: قبلت.

فهذا عقد صدقة، ولكن لو لم يُعطِه الصدقة، ولم يقبضها؛ فله الحق أن يرجع، وللطرف الثاني -المسكين، أو الموهوب له- الحق أن يقول: قبلت، ثم يقول: لا أريد، فليس بملزم بقبولها، ولا بقبول العطية.

وهذا النوع يسمى: العقد الجائز، وجوازه للطرفين.

وهناك عقود وسط بين هذين النوعين، تَلزم أحد الطرفين ولا تلزم الطرف الآخر، كالجُعل، وتقدم معنا أن رجلاً لو قال: من وجد سيارتي الضائعة أعطيته ألف ريال، فإنه من حقه أن يرجع عن هذا الكلام الذي قاله، فلو قال شخص: قبلت فسأبحث لك عنها، فإن وجدتها فلي ألف ريال.

فاتفق الطرفان ثم رجع الرجل الأول، أو رجع الرجل الثاني، كلٌ منهما له حق الرجوع، ما لم يجد السيارة فيكون الطرف الجاعل مُلزماً بدفع الجُعل، فتلزم الجعالة الجاعل دون المجعول له، فلو قال شخص هذه المقالة: من وجد سيارتي، أو إذا عالجت لي هذا الممسوس، وقرأت عليه ورقيته أُعطيك ألفاً؛ فإن من حقه أن يرجع عن هذا الجعل إذا اتفقا.

لكن لو شرع الراقي وأمضى وقتاً أو جهداً كما تقدم معنا؛ فإنه لا يملك الجاعل الرجوع إلا برضا الثاني ما لم يعطه حقه واستحقاقه في تعبه في الوقت الذي فات عليه ما بين العقد وما بين الفسخ.

إذاً هناك عقود تلزم الطرفين، وعقود تلزم أحد الطرفين دون الآخر، وعقود لا تلزم الطرفين ألبتة.

هذا من حيث أنواع العقود.

<<  <  ج:
ص:  >  >>