قال رحمه الله:[وإن اجتمعت أحداث توجب وضوءاً أو غُسلاً فنوى بطهارته أحدَها ارتفع سائرُها].
هذا على الأصل عند بعض العلماء حيث يرى وجود الطهارة بعد الحدث رافعاً للحدث، ولا يفصِّل، يقول: المهم أن الله أمرنا بالوضوء بعد الحدث، فإذا وقع الوضوء بعد الحدث رفع الحدث، ولا يفصِّل بين كونه يبيح أو كونه يرفع.
والحقيقة أن هذا المذهب وسط بين من ألغى النية بالكلية، وبين من اعتبر النية واعتبر معها صفة النية، ولا شك أن الدليل الذي دل على لزوم النية في الوضوء:(إنما الأعمال بالنيات) دل بمقطعه الأول على أن صحة الوضوء موقوفة على النية، ودل بمقطعه الثاني على الحصر:(وإنما لكل امرئ ما نوى) يقول العلماء: مفهومه أن من لم ينوِ شيئاً لا يكون له، فهذا نوى الأدنى، فكيف نقول: يستبيح به الأعلى؟ ومنطوقه: أن من نوى شيئاً كان له.
هذا هو وجه من يقول بأن الأدنى لا يجزئ في استباحة الأعلى، وهو كما قلنا: أقوى القولين.
إن اجتمعت أغسالٌ، مثل: المرأة يكون عليها الحيض وتكون عليها الجنابة، فجاءت ونوت الغسل للحيض، فإنها ترتفع الجنابة، أما لو كان جنس الحدث مكرراً وقصد رفع الحدث نفسه، بغض النظر عن كونه يستبيح صلاة مفروضة أو غير مفروضة، صح الرفع في حالة نية رفع الحدث وهي الحالة العليا، فتشمل هذه النية ما عيَّن وما لم يعيِّن، مثال ذلك: رجل بال وتغوط وخرج منه الريح ونام، أربعة أحداث، فإن هذا لا نقول له: إن نويت رفع البول ارتفع، وبقي عليك حدث النوم والغائط، إنما نقول: نيتك لواحد منها كنيتك لسائرها.
وهكذا لو تعددت الأحداث من جنس واحد، كأن ينام مرات متتابعة، ينام ويستيقظ، ثم ينام ويستيقظ، ثم ينام ويستيقظ، فهو حدث واحد؛ لأن الحدث لا يتجدد ولا يوصف بالتعدد، وإنما يعتبر حكماً واحداً، فينتقض الوضوء بالأول منه، ويرتفع هذا الحدث بالوضوء بعده، هذا هو وجهُ إذا لم ينوِ الأحداث بعينها، فقال: أنا أريد أن أرفع هذا الحدث عني، فتوضأ أو اغتسل صح وضوءه وغُسله، ويعتبر ذلك موجباً لارتفاع جنابته وأحداثه الصغرى.