للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم السكران إذا ارتد حال سكره]

السؤال

هل السكران يحكم بردته إذا فعل أو قال ما يوجب الردة أثابكم الله؟

الجواب

باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد: فإن السكران لا يحكم بردته إذا قال أو فعل أثناء سكره وزوال عقله ما يوجب الردة، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء:٤٣] فبين سبحانه وتعالى أن السكران لا يعلم ما يقول، ومن لا يعلم ما يقول فلا يؤاخذ بقوله.

وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن علياً رضي الله عنه كان قد أعد مهر فاطمة رضي الله عنها وجاء بشارفين وأناخهما بباب حمزة، ثم انطلق يهيئ بعض الأغراض للمهر، فشرب حمزة رضي الله عنه الخمر قبل أن تحرم، فلما شرب الخمر غنته جاريتان، فانتشى ثم قام إلى البعيرين، وجبَّ سنامهما، فجاء علي رضي الله عنه، قال: فرأيته، فهالني ما رأيت، فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتكى له ما فعل حمزة، فأتاه فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة وسأله ووبخه على ما فعل، فرفع حمزة رأسه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: وهل أنتم إلا عبيد لآبائي؟ فلما قال هذه الكلمة -كما في الرواية- رجع النبي صلى الله عليه وسلم القهقرى، أي: علم أنه سكران، وأنه لا يدري ما يقول، فرجع القهقرى وانصرف، ولم يأمره رضي الله عنه أن يجدد إسلامه، ولذلك قالوا: إن هذا يدل على أن السكران لا يؤاخذ بقوله، وهذا هو أصح قولي العلماء رحمهم الله، أعني أن السكران لا يعتد بقوله لا في ردة ولا في طلاق ولا غير ذلك؛ لأن النص دل على أنه لا يعلم ما يقول، وثانياً: عذر حمزة حال سكره.

وهذا كما يقول العلماء في قوله للنبي صلى الله عليه وسلم: (وهل أنتم إلا عبيد لآبائي؟) يقولون: إن هذا ردة؛ لأنه استخفاف بالنبي صلى الله عليه وسلم واستهزاء، وشراح الحديث نصوا على أن هذا اللفظ لو قاله الصاحي كان ردة، ومن هنا يجعلونه عنواناً في عذر السكران إذا قال ما يوجب الردة، وأن من تلفظ بكلمة الكفر حال السكر يعتبر معذوراً، وهذا أصح قولي العلماء، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>