للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حقوق الزوج على زوجته]

شرع المصنف رحمه الله في هذه الجملة ببيان بعض المسائل والأحكام المتعلقة بالعشرة الزوجية، ومنها: أن الزوج إذا أراد أن يسافر فله الحق أن يصحب زوجته معه، والسبب في ذلك: أنه يخاف على نفسه الفتنة، كما أن المرأة تقوم على شأن زوجها في سفره، ولربما كان تركه لامرأته فيه ضررٌ على المرأة وفتنة لها، فيكون الأمر آكد.

قال رحمه الله: [وله]: أي: للزوج.

[أن يسافر] بها: أي: بالمرأة، ويسافر بها شريطة أن لا يكون ذلك معرضاً لها إلى الخطر، أو الوقوع في الضرر، فإن كان في السفر تعريض لها إلى مثل ذلك، فحينئذٍ يجوز لها أن تمتنع.

قال رحمه الله: [ويحرم وطؤها في الحيض والدبر]: أي: ويحرم وطء المرأة في الحيض، والمراد به أن يطأها وهي حائض، وقد دل دليل الكتاب، ودليل السنة على تحريم وطء المرأة الحائض، فقال الله سبحانه وتعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة:٢٢٢]، فقوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} أمر بالاجتناب والاتقاء والابتعاد، وهذا الأمر محدود بالمكان في قوله: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة:٢٢٢]، والمحيض اسم مكان، كالمَقِيل، أي: مكان الحيض، وبناءً على ذلك لا يجوز له أن يطأها ويجامعها وهي حائض؛ ولكن يجوز له أن يستمتع بما دون الفرج، فله أن يباشرها، وأن يفاخذها، وأن يستمتع بجميع ما يكون منها، إلا الوطء في الفرج، والدليل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح).

وقد قدمنا في كتاب الحيض تفصيلات العلماء، وكلام العلماء عما يحل وما يحرم من المرأة الحائض، وبينا أن أصح قولي العلماء أنه يجوز له أن يستمتع فيما بين السرة والركبة من المرأة الحائض، إذا غلب على ظنه الأمن من الوقوع في المحظور، أما إذا غلب على ظنه أنه سيجامعها فيحرُم؛ لأن الوسائل تأخذ حكم مقاصدها، والنهي عن الشيء نهي عن وسائله المفضية إليه، كما أن الأمر بالشيء أمر بلازمه وبما يعين عليه ويُتَوَسَّل بطريقه إلى ذلك الشيء.

فبيَّن رحمه الله أنه لا يجوز وطء المرأة الحائض، وهذا بإجماع، كما بين أنه لا يجوز الوطء في الدبر، وهذا أيضاً بإجماع العلماء -رحمهم الله- فلا يحل إلا في الأقوال الشاذة المحكية عن بعض المتقدمين، وهي تُحْكَى ولا يُعَوَّل عليها ولا يُعْمَل بها، فإن مكان الوطء هو موضع الحرث؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [البقرة:٢٢٣]، فالحرث هو مكان الوطء، وهو القُبُل من المرأة، وأما الدبر فإنه ليس بحرث ولا بمكانٍ للوطء، ولا بمحل له.

والطب يؤكد أن الوطء في الدبر ضرر على الرجل وضرر على المرأة، فلذلك لا يجوز وطء الدبر، ولا يُعْتَدُّ بمن خالف.

قال رحمه الله: [وله إجبارها على غسل حيض ونجاسة]: [وله]: أي: للزوج إجبار زوجته على غسل حيض؛ لأنه في أصح قولي العلماء أن المرأة الحائض لا يجوز وطؤها إلا بشرطين: أولاً: أن تطهر من حيضها.

والثاني: أن تغتسل من ذلك الحيض.

وبناءً على ذلك فإنها لو طهرت ولم تغتسل، فالخلاف بين الجمهور والحنفية، وذكرنا هذه المسألة في الطهارة، والصحيح: أنه لا يجوز وطؤها إلا بعد أن تغتسل من الحيض؛ لقوله تعالى: (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة:٢٢٢]، ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة: أن الله تعالى يقول: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة:٢٢٢]، فنهى عن وطئهن إلى الطهر، ثم قال: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}، فجاء الطهر على مرحلتين: المرحلة الأولى: وصف الله عز وجل به المرأة فقال: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} فوصفها بشيء ليس بيدها.

المرحلة الثانية: وصفها بطهر في يدها، فقال: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ}، فدل على أن انقطاع الدم وحده لا يكفي، وأنه لا بد من انقطاع الدم واغتسالها بعد انقطاع الدم عنها، فحينئذٍ يحل له وطؤها.

فإذا ثبت أن المرأة الحائض لا يجوز وطؤها، إلا إذا انقطع عنها الدم، ثم اغتسلت، فإنها قد ينقطع عنها الدم، وتتأخر في الغسل، فإن انقطع عنها الدم، فإن الزوج لن يطأها في طيلة مدة أيام الحيض، وحينئذٍ يتضرر بانحباسه عن المرأة، فإذا تضرر بالانحباس وطهرت المرأة فله أن يجبرها ويلزمها أن تغتسل؛ لأن مصلحته متعلقة بذلك، وحينئذٍ يجبرها أن تغتسل، وتبادر بالغسل مباشرة، ما لم يكن في ذلك ضررٌ عليها.

قوله رحمه الله: (على غسل حيض ونجاسة) أي: وله أن يجبر زوجته على غسل النجاسة، وذلك لأن النفوس تتأفف وتتألم بالنجاسة والقذر، والمرأة مطلوب منها أن تهيئ جميع الأسباب؛ لتحبيب زوجها؛ لكي تكون حظية عند زوجها، وذلك بالاغتسال والنظافة والنقاء، ولا يجوز لها أن تتعاطى الأسباب المنفرة بحيث ينفر منها زوجها، ولذلك ينبغي عليها أن تتعاطى أسباب إزالة النجاسة، وله الحق أن يجبرها على غسل النجاسة من دم أو بول أو نحو ذلك، فيقول لها: اغسلي هذا الدم، واغسلي هذه النجاسة، ويجبرها على ذلك.

قوله رحمه الله: [وأخذ ما تعافه النفس من شعر وغيره] إذا كان الواجب على المرأة أن تتعاطى الأسباب -كما ذكرنا- للقيام بحق الزوج؛ لتحبيبه بالمحبة والألفة، فإن هذا يستلزم منها أن تكون على أحسن الأحوال وأتمها، فتأخذ من الشعر ما تعافه النفوس، كشعر الإبطين، وكذلك شعر العانة، فإنه يلزمها إزالة هذا الشعر ونحوه، وله الحق أن يوبخها إذا قصرت في شيء من ذلك، ولا شك أن المرأة إذا قصرت في مثل هذه الأمور، فإنه نوع من الاستخفاف بحق الزوج، ونوع من التبذل الذي قد يصل إلى حد المكروه، إذا كان فيه نوع من النسيان لحق العشير، وإذا قصدت به الإضرار وصل إلى التحريم؛ لأنه لا يجوز للمرأة أن تضر زوجها، ولا أن تتعاطى الأسباب التي تنفره، فله الحق أن يأمرها بحلق شعر العانة، وهكذا بالنسبة لشعر الإبطين، وله الحق أن يأمرها بإزالة شعر اللحية، وهكذا الشارب، وكذلك لو ابتليت بشعر في وجها، على أصح قولي العلماء؛ لأن هذا تنفر منه النفوس وتعافه، فله الحق أن يطالبها بإزالته، والقاعدة الشرعية تقول: (الضرر يزال) وهي قاعدة مجمع عليها، فالزوج يتضرر بذلك، فحينئذٍ يجب على المرأة أن تزيل هذا الضرر، الذي يمنعه من كمال الاستمتاع بها.

قوله رحمه الله: [ولا تجبر الذمية على غسل الجنابة] وذلك لأنها ليست مكلفة به، فالذمية ليست مكلفة بغسل الجنابة، على القول بأن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>