[حجج القول بالجواز والمنع في الشراكة بالعروض]
الذين أجازوا والذين منعوا، ما هي حججهم؟ القول الأول -وهو قول الجمهور- يقول: إننا إذا بعنا العروض سنبيعها بقيمة، وإذا جئنا عند التفاسخ -يعني: فسخ الشركة- أو طرأ الفسخ فجأة، فإننا سنبيعها بقيمة قد تختلف عن القيمة التي كانت في حال الاتفاق، أو إذا جئنا نقيم بقيمة موافقة للقيمة التي كانت في حال الاتفاق فإننا سنظلم أحد الطرفين: مثال ذلك: لو أن السيارة بيعت أثناء الاتفاق -السيارة التي شارك بها- بخمسين ألف ريال، ثم بعد سنتين حصل التفاسخ، فحينئذٍ كم قيمة السيارة بعد سنتين؟ هل ستبقى قيمة السيارة خمسين ألفاً؟
الجواب
لا.
وبطبيعة الحال ستنزل قيمة السيارة، لو بيعت أثناء التفاسح لوجدنا قيمتها عشرين ألفاً أو خمساً وعشرين ألفاً، فكأنه يظلمه في نصف القيمة، فسيرجع الشريك بخمسين ألفاً، ويُطالب بالخمسين ألفاً التي هي قيمة السيارة أثناء الاتفاق على الشركة، مع أنه أثناء التفاسخ لو جئنا نقدر قيمةً مِثْلِيَّة لما دفعه في الشركة لوجدناها بنصف القيمة، فيدخل على شريكه بخمس وعشرين ألفاً، والأصل أن هذه الخمسة والعشرين ألفاً ينبغي أن تكون من أرباح الشركة.
وعلى هذا لو كان رأسُ مالِه مائةَ ألف، وعند التفاسخ كان مائةً وخمسة وعشرين ألفاً، فكانت مائة ألف، وعند التفاسخ حصل التراد، فإننا نرد لأحد الشريكين وهو صاحب السيارة أو صاحب العَرَض جزءاً من الربح؛ لأن قيمة العَرَض نزلت إلى النصف؛ لأن العروض تقدر بمثلها.
يعني: لو أن شخصاً جاءك بسيارة وقال لك: أنا شريكك بهذه السيارة، فإنك حينئذ تنظر إلى مثل السيارة بأوصافها وذاتها، وتقدرها، فإذا قدرتَها بخمسين ألفاً ودخل معك الشركة أصبحت الخمسون ألفاً هي رأسُ ماله.
وفي الحقيقة أن المسألة قد يعترض فيها معترض على الجمهور ويقول: إن صاحب السيارة دخل الشركة بخمسين ألفاً حقيقةً، ولم يدخل بسيارته.
والجواب: إن من دقة الجمهور أنهم نظروا إلى الاتفاق؛ لأن الصيغة والاتفاق تَمَّا والعين موجودة، يعني: حينما اتفقنا كطرفين، هل الذي قدَّمه حين قدَّمه خمسين ألفاً أو أنه قدَّم سيارة؟ الجواب: قدَّم سيارة.
فأنت إذا نظرتَ -وهذا من دقة الشريعة- لن تجد على وجه الأرض حكماً أتمَّ ولا أكملَ من هذه الشريعة، ينظر العلماء إلى كلِّ شيء، الوقت، والزمان وغير ذلك، وكلُّ كلمة لها قيمتُها ودلالتهُا، لن تجد تشريعاً ولن تجد منهجاً يعطي العقود حقها وقدرها بكل تفصيل، ويقف مع كلمة المتعاقدين ومقصودهم يقف مع أعراف الناس، مثل الشريعة الإسلامية.
فهم يقولون: إن الأصل في الشريعة أنه إذا حصل التعاقد يكون بالصيغة: (الإيجاب، والقبول).
ونحن لا ننظر إلى أن السيارة قد بيعت؛ لأن بيعها وقع بعد الاتفاق على الشركة؛ لكن رأس مال الشركة أثناء التعاقد وقع على ماذا؟ على عَرَض، وتم الاتفاق على عين وهي السيارة، ولم يتم الاتفاق على النقد وهي (الخمسون ألفاً)، وإنما حصلت الخمسون ألفاً واستُغلت الشركة؛ لأنه يقال: ستُباع العُروض وتُستثمر أموالُها، فتستغل الشركة؛ لكنها في الأصل وقع عليها العقد.
فلابد أن نقف مع العقد؛ لأن الشريعة لو أجازت الانصراف عن العقد لدخلت كثير من الاعتراضات على بقية العقود التي أعملت فيها الشريعة اتفاق الطرفين في العقد.
ولذلك وقف الجمهور عند هذا الأصل، فقالوا: اتفق الطرفان على هذه العروض، فلو أنها بيعت أثناء التعاقد أو بعد التعاقد ولو بساعة -بيعت بخمسين ألفاً- فإنه عند التراد وعند فسخ الشركة ستُباع بأقل أو أكثر، وقل أن نجد عَرَضاً بعد سنتين أو ثلاث سنوات بنفس الثمن، ولربما فُسخت الشركة بعد عشرين سنة، وبعد عشرين سنة ربما كانت القيمة أضعافاً كما في الأشياء النادرة، ولربما كانت القيمة أقل وأرخص.
إذاً: الضرر موجود.
ثانياً: قالوا: إنه إذا اتفق الطرفان على هذه الشركة، وأعطى أحدهما سيارة بخمسين، وأعطى الآخر سيارة بخمسة وعشرين، على أن الشركة متفاوتة في الرءوس، أو أعطى أحدهما سيارة بخمسين والآخر أعطى سيارة بخمسين فربما أن سيارة أحدهما اليوم تباع بخمسين؛ ولكنها في الغد ستباع بعشرين، أو بخمسة وعشرين، أو بثلاثين، فلا نضمن قيمة العروض، ولربما دخل أحدهما الشركة بطعام، ودخل الآخر بعطور، والعطور قيمها ثابتة، والأطعمة قيمها غير ثابتة.
فالمقصود: أنهم قالوا: إننا لا نمنع إلا من موجب، وهو خوف الضرر، وهذه الجهالة التي قد توجب الإضرار بأحد الطرفين في حال الغلاء أو في حال الرخص، وحينئذ لا تصح الشركة على هذا الوجه.
وهذا لا شك أنه أقوى وأرجح.
وأما الذين أجازوا فلهم تعليل، قالوا: إن الاتفاق على القيم، ثم إنه إذا رضي بهذه القيمة فقد رضي عما ينشأ من خسارة وربح، وهذا لا يخلو من نظر.
والذي تطمئن إليه النفس أن الاتفاق على العروض فيه شبهة.
يعني: القول بجواز شركة العنان بالعروض لا يخلو من نظر، والشبهة فيه قوية، وسيأتي مزيدُ تفصيلٍ -إن شاء الله- في المضاربة، وهي القِراض، إذا كانت القِراض أو المضاربة، وهي من الضرب في الأرض -التجارة- إذا كانت على العروض فإن جماهير العلماء رحمهم الله اختلفوا على منعها، وسنذكر هذا ونبين وجه ذلك وأن العلة فيه أشبه بالعلة التي ذكرناها في شركة العنان.