[نقع البئر وماء الأرض]
وقوله: [ونقع البئر وماء الأرض يدخلان تبعاً].
هذه المسألة في مسألة إجارة الأرضين.
ذكرنا في الشرط الذي معنا: أنه يتشرط في المنفعة أن تتعاقد مع أخيك على منفعة الشيء لا على أجزائه.
فيرد
السؤال
لو أن شخصاً عنده أرض زراعية ليس فيها زرع، ولكن فيها بئر وهي صالحة للزراعة، فجاءه رجل وقال: أريد أن أستأجر منك هذه الأرض من أجل أن أزرعها السنة بمائة ألف.
فقال: قبلت.
وتم العقد بينهما؛ جاز ذلك وصح، وسنذكر هذه المسألة إن شاء الله تعالى، وهو قول جماهير العلماء رحمة الله عليهم.
وذلك لحديث رافع بن خديج في الصحيح، أن ما كان بذهب وفضة فلا بأس، أي: ما كان من إجارة الأرضين الزراعية بالذهب أو الفضة فلا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص فيه.
وإذا ثبت أنه يجوز إجارة الأرضين للزراعة فقد يعترض المعترض ويقول: أنتم تجيزون إجارة الأرض للزراعة، مع أن الأرض فيها ماء، ولا تصح إجارة الأرض للزراعة إلا إذا كان فيها ماء، والماء يستهلك بذاته، فمعنى ذلك: أن العقد وقع على الأجزاء ولم يقع على المنافع، وأنتم تقولون: الإجارة يشترط فيما ألا يتم العقد على أجزاء العين المؤجرة، فكيف تصححون إجارة الأرضين للزراعة مع أن الماء المستهلك في زرعها جزء من العين المؤجرة؟
و
الجواب
أن القاعدة تقدمت معنا في باب البيوع، وذكرنا دليلها من حديث ابن عمر في الصحيحين: يجوز في التابع ما لا يجوز في الأصل.
فالماء هنا تبع للأرض، ويجوز أن يباع الشيء تبعاً لكنه لا يجوز أن يباع استقلالاً، ويجوز أن يكون تابعاً بإجارة أو نحوها لكنه لا يجوز أن يكون أصلاً في الإجارة، فجاز تبعاً، وبينا أن هذه القاعدة صحيحة في العبادات والمعاملات، وذكرنا من أمثلتها في العبادات: أن الإجماع منعقد على أن المسلم لا يجوز له أن يصلي عن الميت، وأن الميت إذا مات لا تجوز العبادات البدنية عنه إلا ما استثناه الشرع من الصيام عنه على التفصيل الذي ذكرناه في باب الصيام.
ولكننا قلنا: لو أنه حج عن ميت فطاف، وأراد أن يصلي ركعتي الطواف فإن الصلاة وقعت هنا تبعاً ولم تقع أصلاً، فصحت العبادة تبعاً ولم تصح أصلاً.
وذكرنا في بيع النخل قبل بدو صلاحه إذا باعه وقد أُبِّر، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (من باع نخلاً قد أبرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع) فصحح عليه الصلاة والسلام وقوع الثمرة بالبيع تبعاً للبستان إذا بيع، مع أنه لا يجوز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها إذا كانت مؤبرة وقبل أن يبدو صلاحها استقلالاً، فهذا كله مفرع عن القاعدة التي ذكرناها: يجوز في التابع ما لا يجوز في الأصل.
وإذا ثبت هذا فنقول: إن الماء الموجود داخل الأرض الزراعية تبع وليس بأصل.
ونفرع على هذا مسائل معاصرة، فمثلاً: الاستئجار في الفنادق؛ في غرفة الفندق منافع في دورات المياه، ويجد فيها منافع في مكان جلوسه، مثل: المناديل والصابون ونحوها من الأشياء التي يرتفق بها، فوقع استهلاك هذه الأعيان تبعاً ولم يقع أصلاً، فإن وقع أصلاً لا يجوز، لكن إذا وقع تبعاً فإنه يصح؛ لأنه يصح في التابع ما لا يصح في الأصل.
فتتفرع هذه المسألة من أخذ المنافع، فلو أنك ركبت سيارة أجرة، فستجد -مثلاً- علبة المناديل، وقد جرى العرف أن توضع علبة المناديل في السيارة، فلو أخذت من مناديلها فلا زالت مناديلك، فكل شيء له قيمته وكل شيء له حقه، فأنت تستحقها بالركوب رفقاً، لكن هذا تبع وليس بأصل.
فاستهلاك الذوات التي جرى العرف باستهلاكها كالماء في الأرض والزرع، وهكذا بالنسبة للمنافع والأعيان الموجودة في منافع الأشياء المؤجرة في المركوبات والعقارات، كلها جائزة على سبيل التبع لا على سبيل الأصل.