قال المصنف رحمه الله:[وإن كانت بطرف مصلى متصلٍ صحت إن لم ينجر بمشيه] أي: إن كانت النجاسة بطرف المصلى غير متصلةٍ به فإنها لا تؤثر، ما لم تكن بطرف المصلى وتنجر بمشيه، وهذا يقصد منه أن يكون الشيء النجس بمثابة المحمول على المصلى، وذكر العلماء رحمهم الله أمثلة لهذا بالنجاسة التي تكون في طرف الحبل أو طرف القماش المتصل بالثوب، فلو أن إنساناً أراد أن يصلي وهو على سفر ومعه بعيره ويخشى أن البعير يفر، فربما عقد حبله بيده، وقد تكون الدابة نجسة، فهذه صورة في الأصل قد تكون فرضية، لكن المراد منها وضع الضابط كما قلنا، وليس المراد أعيان الصور، ولكن المراد القاعدة التي تخرجت عليها هذه الصورة، فقد ذكر لك الشيء النجس المتصل فقال لك:[لاقاها]، وذكر لك الشيء الذي بينك وبينه طاهر، ويبقى الشيء الذي يتصل بك كأنك حاملٌ له، فإن حملت النجس فلا إشكال، ولكن عندما يكون هذا النجس متصلاً بك بواسطة، بحيث لو تحركت تحركت به، أو يكون متصلاً بك بواسطة لا تتحرك بتحركك، فلو أن إنساناً ربط شيئاً نجساً بحبلٍ، فهذا الشيء النجس المتصل بالحبل لا يخلو من حالتين: إما أن يكون متشرب المادة بالحبل فحينئذٍ الحبل بذاته نجس، ولا يتكلم العلماء عليه؛ لأنه كحمل النجاسة، بمعنى أن يكون طرف النجس سائلاً وسرى إلى الحبل برطوبةٍ أو نحوها فإننا نقول: الحبل نجس، وحكم حمل هذا الحبل كحمل النجاسة؛ لأنه يستوي أن يكون طرف الطاهر في جيبك أو يكون طرفه بعيداً عنك ما دام أن الأصل واحد، كما لو حمل شيئاً وأطرافه التي تتصل بالمصلي نجسة، وأطرافه التي هي بعيدةٌ عنه طاهرة، فلا تؤثر طهارة البعيد ما دام أن القريب نجس؛ لأن الجرم واحد، كذلك لو كان طرفه الطاهر في جيبه وطرفه النجس في موضعٍ آخر، فإن الحكم بذاته واحد، فكما حكمت ببطلان صلاته باتصاله بالنجس مع أن المتصل به طاهر، كذلك تحكم ببطلانها إذا كان المتصل به طاهراً والبعيد عنه نجس.
واحتاج العلماء إلى وضع ضابط في الحبل فقالوا: ينجر بمشيه؛ لأنه إذا انجر بمشيه أشبه الحامل له، لكن لو كان لا ينجر قالوا: لا يعتبر هذا الشيء النجس مؤثراً.
ومثلوا له بالجرو -ولد الكلب أكرمكم الله- على القول بنجاسته، وهذا أقوى الأمثلة؛ لأنه ينجر بجرك له، فأشبه ما لو حملته، فيكون طرفه كطرف النجس، فهذا الذي ذكره المصنف ودرج عليه.
وهناك قول لبعض العلماء أن النجاسة في هذه الصور لا تؤثر، وهو أصح وأقوى، ما لم تتشرب النجاسة في الحبل؛ لأن كونه ينجر لا يستلزم الوصف بكونه محمولاً، وفرقٌ بين المنجر وبين المحمول؛ لأن المنجر منفصل الذات، والمحمول كأنه موضوعٌ على الذات، فالصحيح في هذه المسألة الصحة؛ لأن المجرور والمتصل بحبل ليس كالمحمول لما ذكرناه، إلا إذا كان هذا الحبل الذي يجره الإنسان طرفه نجس، فإننا قلنا: أَشبَهَ ما لو حمل شيئاً طرفه طاهر من جهة ونجسٌ من جهةٍ أخرى، فإنه يحكم ببطلان الصلاة.
فالخلاصة أن العبرة بالتنجيس إذا كان الشيء المتصل بك نجس الطرف، أما لو كان طاهراً في ذاته متصلاً بنجسٍ لا يسري إلى هذا الشيء الذي أنت ممسكٌ به أو واقفٌ عليه فإنه لا يؤثر؛ لأنه ليس في حكم ملاقاة النجاسة ولا حملها لكن لو كان طرف الحبل نجساً فإننا نحكم بالتأثير.
وبناءً على ذلك يستوي عندنا أن ينجر أو لا ينجر، ما دام أنه نجس الطرف، كما لو صليت على سجادة وطرفها نجس، فإنك كأنك صليت على النجس؛ لأن الذات واحدة، وبناءً على هذا نقول: إن التفصيل بين الانجرار وعدمه مرجوحٌ، والأرجح والله أعلم القول بالصحة.