[التذكير بالتوبة]
قوله: [وتذكيره التوبة] أي: ينبغي للمسلم إذا عاد أخاه المسلم أن يذكره بالتوبة إلى الله عز وجل، وذلك أن المرض من مقدمة الموت، وقد يكون طريقاً إلى الموت، خاصةً إذا ظهرت أمارات المرض الذي لا يرجى له شفاء، فيذكره بالتوبة إلى الله عز وجل.
والسبب في ذلك: أن المرضى ربما انشغلوا بالعلاج وأخبار المرض، وما يفعلونه في مواجهة ما يعانونه من مشقة المرض، فينشغلون عما هو أهم وما هو مقصود من نزول المرض، فإن نزول المرض بالعبد إنما هو تخفيف للسيئات ورفعةٌ للدرجات واستكثار للحسنات، فينبغي للمسلم إذا زار أخاه المسلم أن يذكره التوبة والإنابة إلى الله عز وجل، والتحلل من مظالم الناس عامها وخاصها، ويذكره بحقوق الناس.
وإذا كنت تعلم أنه ظلم إنساناً ذكرته مظلمته، وقلت له: يا فلان، تب إلى الله من أذية فلان، يا فلان، إن لفلانٍ عليك حقاً فتحلل منه، إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من كانت له عند أخيه مظلمة فليتحلله منها قبل ألا يكون دينار ولا درهم)، فهذا من أساليب الدعوة إلى التوبة من حقوق العباد.
وأما بالنسبة لحقوق الله جل وعلا فيذكره التوبة من الذنوب كبيرها وصغيرها، وجليلها وحقيرها، ويحسن ظنه بالله عز وجل أنه الغفور الرحيم، وأنه الجواد الكريم، وأنه اللطيف الحليم، ويقوي بهذا الأمر -حسن الظن بالله عز وجل- عزمه على التوبة، فإن الإنسان إذا ذكرته بالتوبة وعطفت -مع تذكيرك بالتوبة- بذكر سعة مغفرة الله وعفوه وحلمه؛ قويت نفسه على التوبة، وقويت نفسه على الرجوع إلى الله؛ لأن المذنب ربما يأتيه الشيطان فيعظم له الذنب، وكلما فكر الإنسان في التوبة جاءه الشيطان من باب إعظام الذنب، فقال له: أنت فعلت وقلت، ولا يمكن لهذا الفعل أو القول أن يغفر، فهو فعل عظيم وقول عظيم، فلا يزال يتعاظم ذنبه على الله حتى يحجب عن التوبة والعياذ بالله! وهذا من القنوط من رحمة الله واليأس من روح الله، فلا ينبغي للمسلم ذلك، فعلاج هذه الوساوس التي تكون في صدر الإنسان من الذنوب: أن يحسن ظنه بالله عز وجل، ولذلك وردت الآيات والأحاديث التي ترغب في التوبة، مذيلة بصفات الله التي تدل على سعة رحمته، وسعة حلمه وعفوه وكرمه وجوده، وأنه سبحانه وتعالى لا تضره معصية العاصين ولا تنفعه طاعة المطيعين، فإذا كان الإنسان أثناء بيانه للتوبة، أو دعوته للتوبة يعطف بذكر سعة رحمة الله؛ قويت النفوس على طلب هذه الرحمة، واشتاقت الأرواح إلى رحمة الله جل جلاله، وكان عندها مع هذا الشوق قوة اليقين بالله سبحانه وتعالى.
ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يندب أمته إلى حسن الظن بالله عز وجل، خاصةً في هذا الموطن العظيم التي تزل فيه القدم بعد ثبوتها نسأل الله السلامة والعافية.
والإنسان إذا تاب إلى الله عز وجل توبةً صادقة تاب الله عليه ولو أتى ربه بقراب الأرض خطايا، فإن الله سبحانه وتعالى إذا تاب العبد توبة نصوحاً تاب عليه، قال تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:٨٢]، {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الحجر:٤٩]، {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر:٥٣]، وتتلى مثل هذه الآيات التي تقوي اليقين بالله سبحانه وتعالى عند المريض.
فمن حق الله عز وجل الذي ينبغي عليك إذا عُدت المريض أن تذكره بهذا الحق، والناس قد تساهلوا في هذه الأمور، فكثير منهم عندما يزور أخاه ويجلس عنده، ينهمك في الأحاديث عن فضول الدنيا، وقل أن يذكره بالتوبة والإنابة إلى الله، بل قد تجد من قرابة المريض من يتذمر ويتسخط إذا حدثت المريض بهذه الأمور، وكأنك إذا قلت للإنسان: تُبْ إلى الله، أو إن هذا المرض ينبغي على الإنسان أن يستحضر معه التوبة، وأن ينكسر فيه لله عز وجل؛ إذا قلت له ذلك كأنما جنيت عليه جناية -نسأل الله السلامة والعافية- فهو يظن أنك تسيء الظن به، وأن هذا البلاء نزل به بسبب ذنوبه ومعاصيه، والواقع كذلك؛ فإن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون، وما علينا إلا أن نقوم بالسنة.
والأفضل للزائر أن يذكر المريض فيما بينه وبين الله بالتوبة، ولا يخاطبه أمام الناس إذا خشي إساءة الظن، فإذا دنوت إلى المريض ومسحت برأسه -إذا كان يحتمل ذلك ويحب ذلك- ثم همست في أذنه بالكلمات الطيبة مما يذكر بالتوبة إلى الله والإنابة إليه، مثل يا فلان! إنا نكثر الذنوب، فتب إلى الله، وهذه الحالة حالة طيبة تقرب الإنسان من الله، والعبد إذا نزل به الضر فإن الله يحب منه أن يقرع بابه: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} [الأنعام:٤٣]، فيكلمه بهذه الكلمات الطيبة، وبهذا النصح الذي يكون بينه وبينه؛ حتى لا يسيء الناس الظن بالزائر ولا يكون مدعاة لسخط قرابة المريض.
والتوبة من الذنوب مشروعة في كل حال وزمان ومكان، والله جل وعلا أمر عباده أن يتوبوا إليه، ولم يقيد ذلك بحال، لكن العلماء رحمهم الله ذكروا ذلك في مثل هذه المواطن؛ لأن الأمر أدعى، فقد يكون هذا البلاء أو المرض نزل بسبب دعوة مظلوم، أو لربما نزل بسبب أذيته لقريب، ولربما نزل بسبب ضره بالناس، فإذا ذكرته ربما تاب إلى الله عز وجل وغير من حاله، فأصبح المرض نعمةً عليه.
يقول بعض أهل العلم: إن الإنسان قد يلتبس عليه التفريق بين المرض إذا كان بلاءً، أو رفعة درجة.
والواقع أن المرض يكون بسبب الذنب، وقد يكون بلاءً يقصد منه رفع الدرجة، فيشكل على الإنسان أن يعرف هل هذا البلاء لرفعة درجة، أم بسبب بذنب.
قالوا: فينبغي على الإنسان إذا نزل به المرض أو نزل به البلاء أن يعتبر أنه بسبب الذنب؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء:٧٩]، فالأصل أن الله لا يظلم الناس شيئاً وأن الناس أنفسهم يظلمون، وأن ما نزل من الأسقام والآلام إنما هو بسبب قليل من الذنوب، وإلا لو أخذ الله الإنسان بذنبه لكان الأمر وأشد، كما قال تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر:٤٥]، فالإنسان إذا تفكر في هذا، دعاه ذلك إلى أن يصلح حاله مع الله عز وجل، فإذا تاب وأناب، وأحس أن هذا البلاء نزل بسبب الذنب، فأخذ يستغفر ويسترحم، ويعاهد الله على التوبة والإنابة إليه سبحانه وتعالى؛ فإنه رفعة درجة.
ولذلك يقولون: قد ينزل البلاء بسبب الذنب؛ فيكون طريقاً إلى الرحمة والفوز بمغفرة الله عز وجل، وصلاح العبد في دنياه وآخرته.