[أقسام القسامة]
والقسامة -التي هي الأيمان المكررة- التي ذكرها المصنف، تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: أيمان إثبات.
والقسم الثاني: أيمان نفي.
أما أيمان الإثبات فتكون من أصحاب الدم، وهم الذين جني عليهم وهم أولياء المقتول، فأيمانهم أيمان إثبات، لابد أن يحددوا القاتل ويصفوه بما يتميز به عن غيره، وإن كان موجوداً في مجلس الحكم والقضاء، يقولون: والله إن هذا -ويشيرون إليه- قتل مولينا أو فلان بن فلان.
ويذكرونه بما يتميز به أيضاً.
هذه يمين الإثبات.
أما أيمان النفي: فتكون من المدعى عليهم؛ لأن الطرف الثاني وهم المدعى عليهم، إذا امتنع أولياء المقتول من الحلف طالبناهم أن يحلفوا، فيحلفون بالله خمسين يميناً أنهم ما قتلوا ولا يعلمون من قتله، فتكون اليمين على الأمرين، أما اليمين الأولى -وهي يمين الإثبات- فقد أشار إليها عليه الصلاة والسلام بقوله: (تحلفون خمسين يميناً وتستحقون بها دم صاحبكم) وفي اللفظ الآخر أيضاً في الصحيح (تحلفون خمسين يميناً على رجل منهم، فيدفع إليكم)، وفي لفظ أحمد (تحلفون خمسين يميناً) أو (تقسمون خمسين يميناً على رجل فيدفع إليكم برمّته) هذه كلها أيمان إثبات.
أما أيمان النفي فقوله: (فتبرئكم يهود بخمسين يميناً)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (تبرئكم يهود) أي: يحلف المدعى عليهم -وهم الطرف الثاني الذين وقعت فيهم الجريمة، وادعي أنهم هم الذين قاموا بالجريمة، أو فيهم من قام بالجريمة- يحلفون خمسين يميناً.
فقوله رحمه الله: (أيمان) يشتمل على أيمان الإثبات من المدعي، وأيمان النفي من المدعى عليه.
ومن هنا كانت القسامة متضمنة للنوع الثاني من شهادة النفي، فالأصل عند العلماء أن شهادة النفي لا تعتبر حجة إلا في مسائل منها هذه المسألة؛ لأنه يحلف المدعى عليهم أنهم والله ما قتلوه، ولا يعلمون من قتله، أو يحلف الشخص الذي يدعى عليه أنه قتل، يقول: والله ما قتلته، ولا أعلم من قتله.
قوله رحمه الله: (أيمان مكررة) إن كانت من شخص واحد، سواء في الطرف الأول، إذا قلنا: الطرف الأول فهم أولياء المقتول؛ لأنهم هم الذين يبدءون أولاً، وإذا قلنا: الطرف الثاني، فهم الذين يدعى أن فيهم القاتل، فأولياء الطرف الأول تكون الأيمان مكررة منهم -طبعاً- على صور، منها: ألا يوجد ولي للمقتول إلا شخص واحد، كأن يكون المقتول ليس له إلا ابن، ذكر عاصب، فحينئذ -بالإجماع- تتوجه إليه الأيمان ويحلف الخمسين كاملة.
ومن حيث الأصل هناك من العلماء من قال: لا يقبل فيها أقل من شهادة اثنين، فلا يقبلون شهادة الواحد، كما هو منصوص عليه في بعض المذاهب كمذهب المالكية، لكن وعلى هذا يكون قول الجماهير على أنه يكررها.
وأيضاً الصورة الثانية: تكرر الأيمان إذا كان أولياء المقتول -مثلاً- ابن وأخ شقيق فبعض العلماء يرى أنها تقسم بالميراث وبعضهم يرى أنها تقسم بالعصبة، فعلى التقسيم بالعصبة يحمل الأخ الشقيق أيضاً.
لو توفي في الأيمان المكررة من الوليين مثل ابنين أو أخوين شقيقين، الابنين تقسم اليمين بينهما، فيحلف أحدهما خمساً وعشرين والثاني يحلف خمساً وعشرين، فهي مكررة من هذا الوجه.